لعل عنوان هذا المقال هو عن فضائل الاستغفار الذي نسي الكثيرين منا الإكثار منه والاستدامة عليه إلا من رحم، وليس هو عن النجائب التي هي جمع نجيب ومعناها الكريم من الإبل .. بل المعنى المراد كريم قوافل الاستغفار الصادق .. فقد مَنّ الله تعالى وتفضل على عباده بنعمة الاستغفار التي تزيح الهموم وتزيل جبال التقصير والمعصية والذنوب التي يقع فيها المسلم إلا ما رحم ، بل هي أسرع من إزالة الماء للأوساخ أو لسواد اللوح .. فالاستغفار والمناجاة والتضرع لله تعالى سفن النجاة الآمنة للعبد .. ولا تأخذ منه وقتاً طويلاً للإبحار عليها والنجاة فهي بضع ثوان أو دقائق معدودة بالنسبة للمُقِل.. وسويعات عديدة لصاحب العزم المجتهد.. فمن منا لا يحتاج للاستغفار سواء له أو لوالديه أو للمؤمنين والمؤمنات .. ومن منا يمكن أن يتخيل مثلاً أن حوتاً بضخامة حوت سيدنا يونس عليه السلام يلتقمه ويهوي به في قاع البحر ويبقى في تلك الظلمات إلى ما شاء الله .. ربما نسميها مُصيبة أو كارثة أو حَيرة أو فاجعة أو هَول ...الخ من العبارات التي نعرفها ونستخدمها .. فلا أحد من البشر يسمع ندائه كما في نداءات الطوارئ في السفن أو الجو "SOS " ولا ساكن أو متحرك يمسك به لينقذه .. سوى التضرع والإنابة لله تعالى . وقد جاء في قصة نبي الله يونس عليه السلام أنه أرسله الله تعالى إلى أهل نينوى بالعراق ليدعوهم إلى توحيده عزً وجلً ، فدعاهم كما أُمر لكنهم لم يستجيبوا في البداية ، فتركهم مغاضباً وكأنه استعجل ولم ينتظر إذن ربه، فذهب إلى ساحل البحر فوجد سفينة فركبها وبعدما تحركت السفينة واجهت أهوالاً، فاقترحوا أن يخففوا من حمولتها بالاقتراع، وكان في كل مرة تخرج القرعة على اسم نبي الله يونس عليه السلام ، فلم يريدوا أن يجازفوا به في البداية لكنهم أخيراً اضطروا لذلك وألقوه في البحر .. فالتقمه الحوت وبدأ تضرع نبي الله يونس إلى ربه . قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } الأنبياء "87 و88".. وكأن الله سبحانه أراد أن يعلمنا أنه في أحلك المواقف وأصعبها هو الذي ينقذ العبد من المهالك ويستجيب دعائه إذا تضرع وأستغفر وأناب .. وفي قصة نبي الله أيوب عليه السلام الذي ابتلي بذهاب إبله وغنمه وماله كله وموت أولاده، ثم ابتلي في جسده بما أصيب به من قروح وجروح كبيرة، وطالت هذه المعاناة سنوات ومع ذلك ما ضاق بما أصيب به في نفسه وولده و ماله وإنما توجه بالدعاء لربه قال تعالى:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }الأنبياء "83 و84".. إذاً الحكمة هي الرجوع والإنابة إليه تعالى والاستغفار والتضرع . فإلى كل طالب حاجة لا تغفل عن الاستغفار والتجئ إلى القريب المجيب .. واستثمر دقائق الاستغفار المباركة وارفع أكف الضراعة محملة بنجائب الاستغفار والدعاء لك ولوالديك ولولاة الأمر والعلماء وجميع المسلمين والمسلمات والضعفاء واليتامى والأطفال والأبرياء ليرحمك الله وإياهم ويرد كيد وبأس أعدائهم .. فكم من بلية أجلاها الله بالدعاء وكثرة الاستغفار مع الصبر والموالاة .. كما أن الاستغفار سبب لتكفير الذنوب وتفريج الهموم وقضاء الحاجات.. قال تعالى :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً إلى آخر الآيات "سورة نوح الآيات من10 إلى 12" وحاذر أن تقنط من رحمة الله فها هي البشرى منه تعالى في أرجى آية:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 .. والآيات كثيرة أوردت بعضها لأذكّر نفسي والقارئ العزيز بفضلها .. ولعل في حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم, فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"، ما يطمئن ويبشر العبد بمغفرة الله وعفوه وسعة رحمته ..وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرنني غفرت لك ولا أبالى, يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي . ويروى عن الحسن البصري أن رجلاً شكا إليه الجُدوبة " قِلّة المطر" فقال له استغفِر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له استغفِر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له استغفِر الله وقال له آخر ادع الله يرزقني ولداً .. فقال له استغفِر الله، فقيل له في ذلك " أي سُئل عن ذلك " فقال : ما قلت من عندي شيئاً إن الله يقول في سورة نوح {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} .. أما صيغ الاستغفار فكثيرة منها : "سيد الاستغفار .. وأستغفر الله .. ورب اغفر لي.. و اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .. ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .. ورب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم .. واستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " وأختم بهذه القصة : كان الإمام أحمد بن حنبل يرحمه الله يريد أن يقضي ليلته في المسجد ، ولكن منعه الحارس من المبيت في المسجد.. فرآه خباز كان محله أمام المسجد فدعاه وعرض عليه المبيت وأكرمه ، ولقد سمع الإمام أحمد بن حنبل الخباز يستغفر بكثرة فتعجب منه، فلما أصبح سأل الخباز عن كثرة استغفاره في الليل، فأجابه الخباز : أنه دائم الاستغفار حتى أثناء عجينه فهو يعجن ويستغفر،عندها سأله الإمام: وهل وجدت لاستغفارك ثمرة ،فقال الخباز : نعم والله ما دعوت دعوة إلا أُجيبت إلا دعوة واحدة .. فقال الإمام أحمد : وما هي ؟ فقال الخباز : رؤية الإمام أحمد بن حنبل .. فقال الإمام أحمد: أنا أحمد بن حنبل ، والله إني جُررت إليك جراً .. عزيزي القارئ : هذه دعوة صادقة لننطلق سوياً ولا نغفل عن هذا الفضل الذي لا يأخذ سوى الوقت اليسير ويعود بالخير الوفير والكرم الجزيل .. ولتحمل على نجائب الاستغفار وتنطلق .. فبِها ونِعْمَتْ ... "سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك " . [email protected]