يعيش أطفالنا اليوم وسط عالم حديث وحضارة جعلت كل إنسانٍ يعيش لنفسه. فهي في جملتها حضارة مادية متمثلة في هوسٍ وسرعة وتوتر وضجيج. فلا غرابة أن اقترنت هذه الحضارة اليوم باعتلال صحة الطفل النفسية وذيوع الجريمة وانتشار المخدرات والطلاق والعنف وغير ذلك من المشكلات الاجتماعية التي أدت إلى فقدان الطفولة حقوقها وسعادتها واتزانها.. ومن هنا بدت الحاجة ماسة اليوم عن أي يومٍ مضى إلى تحسين حياة الطفل والمطالبة بحقوقه وسط مجتمعٍ أُوهنت فيه روابط الأسرة وعلاقة المدرسة بالبيت والمجتمع وذيوع جانب العنف بأنواعه بشكل ملحوظٍ على حياة الطفل. ولما ظهر أن العلاج المبكر لاضطرابات الطفولة كثيراً ما يكون وقاية للطفل من اضطرابات مقبلة خطيرة قد يستعصي الشفاء منها إذا لم يحسن الوقاية منها منذ سن الطفولة المبكرة. كُلنا يعرف أن الطفل حساسٌ للغاية وبالفطرة يعرف من يحبه ومن يكرهه. فلا بد من قيام المختصين في المجتمع والجامعات برسالتهم على مواجهة مشاكل الطفولة والمطالبة بحقوقها على كافة الأصعدة وحلِّها بطرق صحيحة وتعليمهم أساليب الكفاح والنقاش والتعبير عن الذات والرغبات وإسداء النصح إليهم ومعونتهم على مواجهة مشاكلهم وكيفية حلّها بطرق علمية. هذه الحركة التربوية التصحيحية لا تقتصر على فئة دون أخرى فهي في نظري تشمل الأسوياء وغير الأسوياء وذوي العاهات. والأذكياء والأغبياء وبطيئي التعلم. فمن واجبنا كتربويين وأُسر وأخصائيين تعريف الطفل بحقوقه وتنمية مهارات الطفل في التعرُّف على مطالبه وحاجاته وكذلك تحقيقها. فنحن اليوم نعيشُ عالماً متطور يفيد ويستفيد من منتجات علوم النفس والتربية والاجتماع وكذلك صلتها بعلوم الأحياء والطب وأيضاً ما يسمى بالطب النفسي الذي أخذ ينتشر في مجتمعنا السعودي بشكل ملحوظ ويؤدي وظيفة حيوية كثيراً ما كُنَّا نغفل دورها أو نحتقر الأخذ بها. فاليوم هناك قسمٌ متخصص في العلوم النفسية وهو ما يسمى بعلم نفس الطفولة يهتم بحياة الطفل وصحته النفسية. ومدى قربه أو بعده عن المعيار الأساسي للطفل السوي؟ وحتى نرعى حقوق الطفولة الضائعة في مجتمعنا لابد وأن نُوّعِي ونُنَوّر الآباء والأمهات والمُعلمين والتربويين بحقوق الطفل وإبعاده عن العنف بكافة أنواعه الذي أخذ ينتشر في مجتمعنا بشكل ملفتٍ للنظر، ولم يستثنِ طفلاً أو شاباً أو امرأةً أو خادمة. فلابد أن نُحافظ على صحة الطفل النفسية وكرامته حتى يستمتع الطفل بحقه ويشعر بالطمأنينة والتحرر من القيود الاستبدادية والضرب والسجن وإهدار الحقوق والكرامة. فكثيراً ما يعيش أطفال المجتمعات المتحضرة تحرُراً وجرأة ولباقة وكياسة أكثر من غيرهم في المجتمعات المستبدة والبدائية أو النامية. وأود أن أكرر أن هذا الأمر يتطلب منا مزيداً من الرقابة لحمايتهم مما قد يلحق بهم من عنفٍ بأنواعه المختلفة أو الطلاق ومشكلاته المتنوعة. لاشك أن مهمتنا اليوم كتربويين وأخصائيين وأُسر أهمُ من أي وقتٍ مضى فالمسئولية مشتركة فلم تعد التربية كما كانت بالأمس مجرد إطعام الطفل وتعويده الطاعة العمياء لما يقوله الكبار كما كُنّا عليه نحن بالأمس القريب؟ اليوم الطفل يُطالبنا بوسائل الاقتناع والإقناع فهو لا يُنفذ لنا طلباً مالم يقتنع بجدواه! علماً بأن أبنائنا اليوم يتعرضون لمؤثراتٍ خارجية لم تكن معهودة بالأمس مثل التلفزيون وكثرة البرامج الفضائية وخاصةً برامج الأطفال والإنترنت والاختلاط ومعاشرة أقرانهم من الأذكياء والفئات المختلفة من أبناء الأُسرة وهذا أيضاً يتطلب منا مزيداً من الرقابة لحمايتهم مما قد تنطوي عليه هذه المؤثرات من أنواعٍ ضارة وهذا كله لا يتوفر لكل أب وأم ومُعلم مالم تكن لديهم ثقافة نَشَأوا عليها وتجارب وخبرات ماضية فليس كل أب أو أم هم بالفطرة تربويون؟ فقد يقال إن جهل الوالدين بأصول التربية الصحيحة عاملٌ هام في سوء سياستهم ومعاملتهم لأطفالهم. فالأُبوّة تعني التضحية والنُضج العقلي والاتزان السلوكي والفكري وإنكار الذات. فهذه تجعلنا نتحمل الكثير من أعباء الأبوّة وتكاليفها وتبعاتها. وهناك مثلٌ عامي يتداوله الآباء والأقدمون منها وهو قولهم: (لا يكبر جيل حتى يفني جيل آخر) وهذه من وجهة نظري حقيقة لا يختلف عليها اثنان فالأب دائماً ما يريد أن يكون ابنه أحسن منه وهو يبذل الجهد والمال والمعاناة في سبيل تنشئة ابنه سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة في نظره. ومن هذا المنطلق أدعو لتحرير الطفل من العنف والاستبداد وأساليب التربية الخاطئة والمشكلات الاجتماعية وأشدها وقعاً على الطفل العنف والطلاق وغياب الوالدين وترك الطفل لأهوائه ورغباته دون مراقبة أو تحديد سلوكٍ معين، فهناك مجتمعات تُهدر فيها حقوق الطفل لأسباب ودواعي قد ندركها جميعاً ونتألم لها دون تدخل كما يحدث لأطفال غزة اليوم. فمن يرعى حقوق هؤلاء الضعفاء حتى ينشأوا أعضاءً منتجين فاعلين في مجتمعاتهم.