لتدعيم الذات لا بد أولاً من مرحلة الاستطلاع والاستكشاف؛ ليتعرف الفرد على جوانب القوة لديه لاستغلالها، والجوانب السلبية ليضع لها العلاج المناسب. وهناك طريقتان لمعالجة المشكلات الناجمة عن جمود الذات وضعفها وسلبيتها، وتقوم الطريقة الأولى على مجابهة القيم السلبية بالقوة والقهر، وهذه طريقة لا تعالج مشكلات النفس وحدها، بل قد تزيد في مضاعفاتها، فالإنسان لا يعالج بقرارات جافة وأوامر جامدة فحسب. أما الطريقة الثانية فتقوم على معالجة الذات بالحكمة واللين، مع توافر جو من المودة والتقبل، وذلك بوسائل التربية القائمة على الدراسة والخبرات، واستعمال هذه الطريقة يقتضي استمرار تحسس الأداء، واستمرار الكشف عن النفس وأغوارها في أجواء النقد الذاتي والشفافية الكاملة، ولا يصل لذلك إلا موفّق.والقاعدة الصحيحة في تطوير الذات وتنميتها ومعالجة السلبيات الجاثمة وتجفيفها، هي أن تقوم التربية البصيرة بالتوجيه إلى القيم المرغوبة في ميادين الحياة بكل أشكالها.ففي الوقت الحاضر مثلاً يبدأ الشباب في تكوين الاتجاهات والقيم الذاتية وهم متأثرون بخليط مضطرب من قيم العصبية والقبلية، مع قيم الحضارة الغربية البراجماتية، بالإضافة إلى قيم الاستهلاك التي أفرزتها حضارة اليوم، فحضارة المادة تربط الإنسان بالأرض وتقطعه عن السماء، وتعلق ذاته بمطالب الدنيا وتُذهلها عن مطالب الآخرة، أي أنها تسير بالإنسان في اتجاه معاكس للدين كله. ولا غَرو أن قيم التقوى الإسلامية تعالج كل هذه الأخلاط المشوِّهة للذات، فهي تمنح الذات ثقة وقدرة خاصة على الكشف، ومعرفة مدى القصور في كل زاوية من دروبها، فكل درب وميدان يتطلب قيمًا إيجابية معينة، توجه الذات وأنماط السلوك نحو هدف معين، وهذا بداهة يتطلب تزكية خاصة مستمرة لا توجد إلا في قيم التقوى. على العاقل أن يخاطب نفسه ويغريها بالعمل الصالح والتشمير له، كما يعلمنا الإمام ابن القيم رحمه الله -وهو من أفضل من كتب عن النفس- وهو يغرينا بمخاطبة النفس والتلطف معها،يقول: ويحك لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصي، إنما أبعدْنا إبليس؛ لأنه لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك، فوا عجبًا كيف صالحته وتركتنا؟! ويقول: لو كان في قلبك محبّة لَبَان أثرها، ومن استطال الطريق ضعف مشيُه، وتذكّر حلاوة الوصال، يَهن عليك مرّ المجاهدة! بمثل هذا الكلام الحار يخاطب المرء نفسه، ويطور ذاته بما ينفعها في يومها وغدها، وهذا مع الأيام يزيد ويرسّخ في الإنسان قيم التقوى والعلم والعمل. ومع الملاطفة لا بد من الإصرار، فإذا أردت النجاح، وعندما لا ينفع شيء آخر لتطوير ذاتك، ضع الأمر موضع التحدي! إن عدم إدراك الذات، وبالتالي عدم تطويرها، يرجع إلى البُعْد عن قيم التقوى وتبعاتها، وإلى ضعف العزائم وتهافت الإصرار، وأساس البُعْد عن قيم التقوى وضعف العزائم، يرجع بصفة عامة إلى عقبات كَأْدَاء، أذكر منها واحدة، لعلها العقبة التي أعيت الأولين والآخرين، أعني الغرور وتضخم الذات.