لا شك عندما تجتمع المبادئ التربوية مع الطموح والخبرة تُحقق أكثر معايير التربية أثراً في نفوس أبنائنا.. وقد أحاطت الشريعة الإسلامية الفرد بعناية فائقة من حيث إعداده وتعليمه ورعايته ومعاملته حتى ينشأ عضواً نافعاً في المجتمع المسلم. ولكن .. حين يحدث خللٌ ما فلابد من البحث عن أحدٍ نلومه أو نعاتبه على هذا الخلل؟ ودائماً ما يكون هذا الأحد معروفاً كشخص أو كمؤسسة أو وزارة. ولكن يحدثُ أن تحدثَ أمور أمامنا. أو أن نسمع بها. لكننا لا نجد أحداً نعاتبه أو نلومه. فحين يكتبُ أحدُهم للآخر مقالاً أو قصةً أو قصيدةً. وهنا يصبح لدينا كُتاب وأُدباء وشُعراء بالمصادفة! فعندها مَنْ يعاتبُ مَنْ ؟ وهذا ما حصل بالفعل عندما كنتُ أراجع في تسجيل إحدى الطالبات في الصف الأول متوسط في إحدى المدارس المتوسطة.. فكنت بالقرب من مدير مكتب المدير العام. وأسمعُ سعادَة مُدير المكتب يُوجه أحد المراجعين الذي كان يشكو من معلمة اعتدتْ على ابنته ضرباً بالمدرسة.. بأن يتوجه إلى أحد مراكز الشرطة لتقديم شكواه بدلاً من الإدارة التعليمية والتربوية!! .. وعندها أوجَسْتُ في نفسي خيفة وألمًا وحزنًا على ما وصل إليه التعليم في بلادنا.. وقلت لأخي مدير المكتب حينها: الأفضل أن توجهه إلى الإدارة بدلاً من الشرطة. ولكنه لم يَرُد عليَّ وذهب ولي الأمر إلى حيث وجهه مدير المكتب! لا شك أن عدم وضوح الهدف أمام موظفٍ غير متخصص وغير مُدرك نتيجة تصرفُه سيؤدي إلى عدد من الآثار السلبية في نفوس أولياء الأمور والطلبة والمعلمات. وقد لاحظنا مثل هذا السلوك غير المتخصص وغير المسؤول وكذلك غير المناسب عندما وُجه الطلاب الذين اعتدوا على مُعلميهم ضرباً في إحدى المناطق إلى الشرطة، وهذا الخطأ يتكرر اليوم في أبسط أشكاله. فكان الأجدرُ بوزارة التربية والتعليم ألاَّ تُحيل منسوبيها إلى جهةٍ أمنية؛ لأن هذا من شأنه أن يفقدها هيبتها ومسؤوليتها وواجباتها وتخصصها.. فمن مهام هذه الوزارة زرع المفاهيم والقيم والمبادئ في نفوس أبنائِها وليس من حق الأمن هذه المسؤولية التربوية المحضَة ! وإلا ما قيمة مُسماها بوزارة التربية ! إذا كانت الوزارة وإداراتها المختلفة تَعجز عن تربية وتأديب طُلابها وتطوير منسوبيها فإذن مَنْ يُربي مَنْ ؟ ومَنْ يُؤدِّبُ مَنْ ؟ .. هل نَعْتَبر التربية والتعليم بالمصادفة أيضاً ؟ فلم أعرف طوال حياتي التعليمية والتربوية أن أحالت وزارة المعارف أو فروعها أي مشكلة أو شكوى للجهات الأمنية آنذاك.. حيث اعتَبرَتْ وزارة المعارف أن أي مشكلة تربوية تخص الطلبة والمعلمين هي من اختصاصها وحدها دون غيرها. فلا مُشارك ولا منازع لها في التدخل في مسؤوليتها وتخصصها. أما اليوم فللأسف الشديد أصبحت وزارة التربية والتعليم هي إدارة تعليمية فقط وليست تربوية. فتجرد الوزارة من مسؤوليتها التربوية هو شيءٌ مُكْلِفٌ للمجتمع حيث سبقت كلمة التربية كلمة التعليم. في حين تخلت الوزارة عن مسؤوليتها وتخصصها وأعمالها الرئيسية. فليت أن الوزارة تضع نصب عينيها أن تخليها عن مسؤولياتها هو نوعٌ من التنازل عن وظيفتها الأساسية.. فتدخل الأمن في الميدان التربوي يعني العجز. فالأجدر على وزارة التربية والتعليم هيكلة أقسامها وإداراتها بما يخدم الهدف التربوي. ووضع اللوائح وتعليمات تتماشى مع روح العصر وتُعالج مشاكله بالطرق التربوية والنفسية. وإحالة من تثبت إدانته في أعمال تهدد الأمن التربوي والنفسي والاجتماعي إلى دُور الملاحظة .. حتى لا يَتعَوَّد أبناؤنا على مراجعة أقسام الشرطة منذُ نعومة أظفارهم ويرون ما لا تحمد عقباه من تنوع مسئوليات الأمن ومراجعيه ولدينا كتربويين كثير من الوسائل والخطط والطُرق التي نعالج بها مثل هذا السلوك والعنف في مدارسنا. ولدينا أيضاً كفاءات مؤهلة ومتخصصة في العلوم التربوية والنفسية والسلوكية وكذلك لدينا مجالس تربوية في كل منطقة ومحافظة في بلادنا العزيزة. وعلى كل حال هذا جيل الإنترنت والقنوات الفضائية لا المدرسة ، فالحوار ولغة التفاهم والإقناع هي أهم سمات هذا الجيل المنفتح على عالم الرغبات والهوايات فمتى استطعنا استغلالها استطعنا أن نُوجد صفة مشتركة للتواصل المباشر مع الأجيال القادمة. فعلى المعلمين والمربين وأولياء الأمور والسلطة المدرسية مراعاة هذه الصفات في أبناء الجيل الحاضر ليكونوا نواةً صالحة لمستقبلٍ مشرق. فالتربية كما نعرفُها هي الحياة وهي النمو وهي الاستمرار فلابد أن نعي ماذا نُحب أن يكون أبناؤنا عليه مستقبلاً حتى نصيغه ونُسهل الوصول إليه.