ورد الصبر وما في ما معناه في تسعين موضعا من القرآن الكريم.. فما هو الصبر؟ إنه ثبات باعث الدين في مقابل باعث الشهوات. أو هو احتمال النفس الكد ومخالفة الهوى، والصبر الجميل هو الذي ليس فيه شكوى ولا جزع وهو شاق على النفس يطلب فيه الإنسان الاستعانة من الله عز وجل، والصبر نوعان نفسي وجسدي، وحياة الإنسان كد وشقاء كما وصفها القرآن : "ولقد خلقنا الإنسان في كبد" (البلد 4) فالدنيا جحيم مستعر وعلاجها الصبر. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مضرب المثل في الصبر فقد عاش معيشة شاقة مع كد وكدح وقلة طعام وشراب وصعوبة مرقد إذ كان ينام على حصير بال وهو الذي خيره الله أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الأخير. وعندما وقف على جثمان عمه الشهيد حمزة وقد مثل به بجسده، قال الرسول: والله ياعماه لقد ما فجعت في احد كما فجعت اليوم فيك وما وقفت على احد مثل موقفي هذا عليك والله إن مكنني الله منهم لأمثلن بسبعين منهم فنزلت الآية: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله" (النحل 126 - 127). فقال الرسول الكريم نعم يا ربنا نرضى ونصبر. وبين صبر يعقوب في اول الرحلة وابنه يوسف في اخر الرحلة - عليهما السلام - عندما رأى يعقوب قميص يوسف لم يمزق وعلم انها كذبة قال: "فصبر جميل والله المستعان" (يوسف 18) فاستعان بالله على الصبر.. وبين صبر يوسف في نهاية الرحلة حيث قال:"إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (90) ففيه الرضى والقناعة بما قضى الله به حيث يدخر الله له اجر ذلك الصبر. اما أيوب - عليه السلام - لما ابتلاه الله بالمرض وفقد الأولاد واستمسك بالصبر. قال الله تعالى: "إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب" (ص44). أي صابرا على ابتلائه كثير التوبة والاستغفار. فكافأه الله بأن منَّ الله عليه بالشفاء ووهبه أهله ومثلهم معهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يبتليه الله عز وجل ببلاء في جسده إلا قال الله عز وجل للملك أكتب له صالح عمله الذي كان يعمله فإن شفاه الله غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه" (مسند احمد 13014). وعن النبي: "من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له بثواب دون الجنة" حبيبتيه يعني عينيه (مسند احمد 7280). ومن النساء اللاتي صبرن على الابتلاء فعلى سبيل المثال لا الحصر السيدة مريم أم المسيح صبرت على أذى اليهود لها وكذلك أسيا زوجة فرعون صبرت بإيمانها أمام فرعون فصلبها على الأوتاد. وقالت:"وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله" (التحريم 11). وكذلك أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنهما - عندما اتهمت في حديث الإفك قالت: والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف: "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" فبرأها الله في قرآن يتلى الى قيام الساعة. والصبر على تحمل المشقات في سبيل السعي على الرزق حيث إن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الصدقات وإنما يكفرها السعي على المعايش يقول الرسول الكريم: "من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له". كما ان الصبر على الزوجة له اجر عظيم يقول رسولنا الحبيب: "أيما رجل صبر على سوء خلق زوجته أعطاه الله مثلما أعطى أيوب على بلائه". وعندما كان الإمام عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - يركب دابته ذات يوم يأتيه آت فيقول له عظم الله أجرك يا ابن عباس في موت ولدك، فنزل ابن عباس عن دابته وصلى ركعتين فقال الرجل عجبت لك يا ابن عباس اخبرك بموت ولدك فتستقبل الخبر بالصلاة. فقال له يا هذا أما سمعت قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنو استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" (البقرة 153). وفي ساحة الوغى في الحروب يقول الله تعالى: " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا" (الأنفال 65). والأمثلة كثيرة. ومضة: إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه فإذا صبر اصطفاه وإذا رضي اجتباه، ويقول الرسول الكريم يبتلى المرء على قدر دينه.