سأل غافل عن وقته بعد أن ضاقت به فرص العودة وجاءته الإجابة من وراء صمت الزمن : تذكرت اخيراً أيها الفاضل وقتك الذي نسيته ولم تتذكره في مسيرتك التي امتلأت بوقفات الندم التي كانت تمر عليك من حين لآخر ولكنك تتجاهلها . اليوم صحوت يا فاقد الوقت من غفلتك التي صنعتها انت بنفسك لتسأل عن الوقت وانت الذي سبقته ولم تترك لنفسك مسافة تعود من خلالها لمحاسبة النفس ومعرفة ثمن الوقت . اليوم أيها المسكين وبعد صحوة عابرة تندب عثرتك وتتهم حياتك وتتباكى على ضعفك وتجعل من عشيرتك واهلك وصحبك سبب مصيبتك . لقد انغمست في لذة النسيان وتمتعت بحياة زائفة بلا غاية ولما شارفت على السقوط تساءلت عن الوقت . إن في الوقت بقية فإن كان بإمكانك أيها الناسي ان ترصدها اجعل فيها ركيزة تنطلق منها ولا تتجاهل هذه البقية فهناك سعة من الزمن فانهض وكفى هرولة خلف نغمات هذيان الحياة المعدومة المعروفة ولا تسرقك لحظات عابرة تضيق بعدها على ضياع هذه البقية من الوقت فتلاحقك صيحات الندم تصفعك كلما سألت عن الوقت فالوقت المفقود لن يعود . يقول ابن هبيرة وكأنه يخاطب ذلك الغافل : والوقت انفس ما عنيت بحفظه واراه اسهل ما عليك يضيع ويقول " فوفنارغ " " اذا لم تعرف قيمة الوقت، فلن تعرف قيمة الانتصار على النفس " ويحضرني مثل روسي يقول : الوقت لا ينحني امامنا ولكن نحن من ينحني امام الوقت . والحقيقة ان هناك شريحة لا تعرف ثمن الوقت وقيمته وهم للاسف كُثر فقد اغفلت عقولهم قيمة الوقت وسلبت لذة الزمن منهم مستقبل الأيام فتراخت عزائمهم عن كسب الفضائل وتركوا لأنفسهم العنان تتخبط بين مجاهل المعرفة حتى فقدوا مقاييس الوصول الى نقاط النهاية فيا ليت هؤلاء يدركون ان العودة الى نداء العقل غنيمة وتحكيم المنطق بوابة للخلاص من ضياع الحياة على هامش الزمن ففي الوقت بقية وهي لا تأتي ولكن الظفر بها يحتاج الى السعي اليها والاستفادة من مسافتها . وقفة : اللهم اجعلنا ممن يغتنم زمنه في حسن عمله . مكةالمكرمة - ص . ب : 9131