سأخاطبك بشكل مباشر يا أبا وجدي، وهو شيء لم أفعله في حياتك، كانت لي أسبابي التي تخلقها الحياة المعقدة التي نعيش فيها، فأنا لم أكن أعرفك بشكل شخصي، ولم يكن لدي ما يدفعني للكتابة لك، لكن رحيلك سيدي خلق داخلي الحاجة للكتابة لك . . هو الموت أبا وجدي يمر بشاله على الأشياء فيجلو الغموض تومض الحقيقة بشكل خاطف وحاد، وتعيدنا لمراجعة ما كان يعبر سريعا أو بشكل مبهم أو حتى نمطي . هل تعرف أن مجموعتك القصصية " الظمأ " كانت أول مجموعة قصصية محلية تضمها مكتبتي، كان ذلك في زمن بعيد، زمن لم أكن قد عرفت فيه بعد أن الكتابة ستكون طريقي، لكن اقتنائي لكتابك كان أحد الخطوات في هذا الدرب، لابد أن يكون الأمر كذلك فنحن الآن نتيجة لأمور كثيرة فعلناها في حياتنا . . أليس كذلك؟ اكتب لك الآن لأني تعلمت درسا كبيرا من رحيلك، فأنا بالرغم من اسمك الكبير سيدي لم أكن أعرف تاريخك الصحفي الطويل والكبير، اكتشفت كم نحن جهلة فيما يختص بكتابنا . الآن يعرفونك بأنك كاتب المقالة الذاتية الأول، هل تعرف ماذا تعلمت أيضا من رحيلك، كم أن الصراعات الصغيرة التي نغوص فيها ليس لها أي معنى، وتلك الأحكام السريعة والقاطعة التي نطلقها على الناس كم تبدو سخيفة الآن ، سخيفة وباردة وتفتقد الموضوعية والحياء . كم نحن المثقفين الذين ندعي أننا منفتحون وأننا نؤمن بالاختلاف اشد الناس ضيق أفق وأشدنا قدرة على الإقصاء . . الكاتب الذي لا يكتب كما نعتقد أن الكتابة يجب أن تكون يصبح في نظرنا ليس مهما وتجاوزه التاريخ، لا نستطيع أن نتقبل كل أنواع الكتابة ولا كل أنواع التفكير ولا نحترم تجربة الآخر ولا نستحي من مصادرة أي كان بكلمتين . . الآن يا سيدي أتعلم من رحيلك، فالذكرى التي بقيت منك ذكرى عطرة، الناس تتحدث عن الطريقة التي كنت تكتب بها مقالتك بحب وحنين، يكتشفون أنك كنت متفردا في رومانسيتك التي كانوا يلجأون إليها ويستظلون بها، كنت الواحة التي يستريحون فيها وينسون تعب الحياة . . تعلمت هذا الدرس منك أبا وجدي، أن أكون أنا وأن أكتب كما أريد، لابد أن مرت عليك غصات وأنت ترى الناس تهمس من خلفك أو تصرح أمامك أنك يجب أن تكتب كما يكتبون، لكنهم الآن يعرفون أن تميزك عنهم هو سر بقائك في أذهان الناس نم في رعاية الله رحمك الله وأعلاك . hanahijazi@ yahoo . com