نقول عن الشيء إنه نفيس إذا كان ذا قيمة وكان مرغوباً فيه، والتنافس هو تسابق بين طرفين أو أكثر، يحاول فيه كل طرف ان ينال ذلك النفيس قبل الآخر، وتقول المعاجم في مدلول التنافس والمنافسة : تنافس القوم في كذا، اي تسابقوا فيه وتباروا دون ان يلحق بعضهم الضرر ببعض . ورغم ان بعض المراجع في علم الاجتماع تصنف التنافس كنمط مستقل من العلاقات، يختلف عن الصراع، غير اني اعتقد انه ليس بمقدورنا ان ننكر انه - اي التنافس - من حيث منطلقاته النفسية وبواعثه، وبعض خصائصه لا يعدو ان يكون نوعاً من الصراع، لكنه صراع تم تهذيبه وتأديبه وتشذيبه، واضيفت اليه عناصر اخرى من الحياة جعلته يتمايل عن التنازع والخصومة والاقتتال والتعارك والتحارب والتصادم بكل ما في هذه المعاني من سوء وشر .فكأنما التنافس احد أوجه التعبير الراقي عن العدوان والصراع .وقد قيل ان اكثر ما يميز اية حضارة او مدنية هو الطريقة التي يعبر بها افرادها عن غريزة العدوان . ولعل اهم ما يجعل التنافس يختلف عن الانماط الاخرى من الصراعات، هو وجود احكام وضوابط وقواعد تحكم العلاقة بين طرفي التنافس، بينما تغيب مثل هذه الضوابط والاحكام الى حد بعيد عن علاقات الصراع الاخرى، ففي الصراع يسعى كل طرف لبلوغ هدفه ولو بتدمير الطرف الآخر وابادته، وينتهج في صراعه ذاك كل الوسائل . اما التنافس فيقتضي عدم اللجوء لوسائل غير مشروعة، وعدم الحاق الضرر بالخصم، والتقيد بالشروط والاحكام التي قد تكون محددة ومكتوبة، كما هو حال التنافس في الالعاب الرياضية، بل قد تكون بشكل قانون في الدولة يسري على الكافة ، كما في قانون المنافسة غير المشروعة الذي يحكم الاعمال التجارية او كما في القوانين التي تحكم انتخابات البرلمان او المجالس البلدية، او تحكم التقدم لوظائف معينة او سوى ذلك، او قد تكون تلك الاحكام مما هو مستقر ومتعارف عليه، كما هو حال التنافس بين الطلبة المتفوقين في الصف المدرسي للحصول على المركز الاول او المراكز المتقدمة، او كما هو حال التنافس في المسابقات العلمية والثقافية . ويرى البعض ان علاقة التنافس يجب الا تُشجع ولا تُعزز، والاولى ان تتجه العلاقات دائما الى التعاون، لان في علاقات التنافس غالبا طرف خاسر وآخر رابح، بما يسببه ذلك من آثار نفسية وسلبية لدى الطرف الخاسر .كما ان التنافس كثيرا ما يخرج عن قواعده واصوله وينقلب الى صراع واضح وربما سافر .ورغم ذلك، اعتقد ان التنافس يبقى ضرورة، ويبقى ذا فوائد كبيرة، فهو يستخرج من النفوس افضل ما فيها من طاقات وقدرات، ويحفز المرء على بذل الجهد والوقت الموجهين نحو هدف، ويدفع الى التعلم واكتساب المهارات والتنبه والتركيز، وكل ذلك مما ينعكس غالباً بالنفع والفائدة على المجتمع، مثلما ينعكس التنافس بين التجار على شكل انخفاض الاسعار وتحسين المنتجات وجودة وسائل تقديم الخدمة .وهو - اعني التنافس - لا يكون بين الافراد وحسب، فمن الممكن ان يكون بين الفرق او الجماعات او الفئات التي يمكن ان يتعاون افرادها فيما بينهم، ويكون توجيههم جميعاً لانجاح الفريق سبباً في مزيد من التعاون وانكار الذات، لاجل المجموع واهدافه . وخلاصة القول، ان التنافس مسألة تتلاءم مع طبيعة ما بني عليه الوجود، وقامت عليه حياة الكائنات في الطبيعة، ومحاولة القائه عبث لا يجدي ولا يدوم، فالتنافس يواتي غرائز الانسان وفطرته، حتى ان معظم العاب التسلية التي يخترعها البشر تقوم على اساس المنافسة بين طرفين، او عدة اطراف، فكأنما نفرع هذه التسلية من خلال التنافس حاجات طبيعية لدى الفرد، فتبعث لديه الفرح والسرورا، ثم ان التنافس يكون في سبل ايجابية وخيرة، وله اصوله التي تحكمه، والاهم دائما ان نتعلم هذه الاصول ونتدرب على الروح الرياضية في تقبل التنافس ونتائجه لانه يبعث على الكثير من الثمرات الايجابية في مجالات التعليم والعمل والانتاج والابداع والرياضة والفن والسياسة والاعمال التطوعية .