اصبح الكمبيوتر احد علامات هذا العصر الذي نعيشه وتعددت استخداماته في كثير من مجالات الحياة، فهو نافذة واسعة للاطلال على العالم عبر شبكة الانترنت ووسيلة تعليمية فاعلة، وعالم زاخر بالالعاب الشيقة المسلية، ومئات الاستخدامات الاخرى، التي باتت تغري الكبار والصغار بالجلوس لساعات طويلة امام هذا الاختراع المدهش والمبهر، حتى وصل الامر بالبعض الى حد الادمان . وجدلاً نفترض ان الكبار، قد يكونون مضطرين لذلك تحت ضغط العمل، وانهم يملكون من الوعي ما يقيهم مخاطر هذا النوع الجديد من الادمان ومضاعفاته، اما الابناء والناشئة من صغار السن والمراهقون، فإنهم اكثر عرضة للاصابة بهذا الادمان، بدافع الرغبة في الاكتشاف والانبهار بما يتيحه هذا الجهاز العجيب من استخدامات في جميع المجالات بما فيها الترفيه والتسلية واللعب وكثيراً ما يشتكي الآباء والأمهات من ابنائهم وبناتهم يقضون ساعات طويلة امام الكمبيوتر، لا يأكلون خلالها ولا يتحدثون مع ذويهم . وتتضاعف مثل هذه الشكاوى خلال فترة الاجازة الصيفية ووجود وقت اطول للتعامل مع الكمبيوتر، في المنازل ومقاهي الانترنت وغيرها من الأماكن، لكن ما الذي يدفع ابناءنا للوقوع في اسر اجهزة الكمبيوتر والاستغناء بها عن الانشطة الرياضية اوالترفيهية او الثقافية وحتى العلاقات الاسرية والاجتماعية، وما هي الاخطار اوالمضاعفات التي تترتب على هذا النوع من الإدمان؟ ومع كامل احترامنا لشكاوى الآباء والأمهات، فإنهم يتحملون الجانب الاكبر من مسؤولية ادمان الأبناء للكمبيوتر، فكثير من هؤلاء الآباء والأمهات شجعوا اولادهم وبناتهم على استخدام هذه التقنية المتطورة، باعتبارها لغة هذا العصر دون ان يوجدوا ولو قدراً من التوازن الذي يحمي الأبناء من الوقوع في اسره، وهذا التوازن يتحقق بارشاد وتوجيه الأبناء الى الاستخدامات النافعة للكمبيوتر وتنظيم وقت التعامل معه والرقابة الذكية التي تضمن الالتزام بذلك، حيث ان نسبة كبيرة من مدمني الكمبيوتر يسيئون استخدامه في امور غير نافعة ولنقل ضارة ومحرمة ولا تخفى على احد . اما اخطار ومضاعفات هذا الإدمان، التي يرصدها الاطباء واساتذة علم النفس والاجتماع، فتشمل تشوهات العظام وضعف الإبصار والسمنة المفرطة والأنيمياء الحادة وضعف التركيز والصداع، والخطر الأكبر هو ما يحدث نتيجة التعرض للأشعة المنبعثة من الأجهزة، بعيداً عن كل ما يقال عن فوائد شاشات التقنية التي اثبتت الدراسات الطبية انها اقاويل تضليل في نطاق الاعلان التجاري الهادف الى الربح فقط، فلا يوجد مانع نهائي لما يصدر عن الأجهزة الالكترونية والكهربائية من اشعة، هذا بالإضافة الى انحراف السلوك والخلل النفسي، التي تنتهي بمدمن الكمبيوتر الى العزلة والاكتئاب، والانفصال عن الجو الاسري والحراك الاجتماعي، ومدمن الكمبيوتر في الغالب الاعم ليس له اصدقاء، وعلاقاته بمن حوله ضعيفة، مقارنة بمن يمارسون الانشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية . وفي ضوء ذلك يصبح علاج هذا الإدمان مسؤولية الأسرة في المقام الأول، بترشيد تعامل الأبناء مع هذه الأجهزة بحد اقصى ساعة الى ساعتين يومياً موزعة على مدار اليوم، كما ينصح بذلك الاطباء وتوجيههم الى ممارسة الانشطة الاخرى التي تنمي قدراتهم البدنية والذهنية، وتحقق التفريغ الايجابي لطاقاته ولا سيما خلال العطلات المدرسية وفترة الاجازة الصيفية الطويلة نسبياً، فالعلم والتكنولوجيا وسيلة للارتقاء بوعي الانسان وقدراته، وتيسير حياته وعندما ينقلب الحال وتصبح وسيلة لتديره، فالعيب ليس في العلم، وانما في اساءة استخدامه، يستوي في ذلك الجهل والإدمان ..فكلاهما مرض . alomari1420@yahoo .com