ما أجمله وما أروعه من شعور عندما نرى صورة الوطن لدى الآخرين كما نحب ..وتطرب النفس عندما يتردد اسمه في مواضع العزة ويشار له بالبنان بين البلدان، ونشعر بالفخر بين الأمم بشرف الانتماء له .ومع هذا الانصهار والذوبان في حب الوطن، ماذا يكون شعورك ورد فعلك عندما تسمع أو ترى ما يمس صورته أو يحاول تشويهها ممن يؤلمهم أمجاد سيرته، ورسوخ بنيانه وشموخ مكانته وعلو هامته وعظم رسالته وشرف مكانته ؟ لابد وأن يتملكك الغضب، وفي قرارة نفسك أنه من يفعل هو حاقد حاسد، وتتذكر قول الشاعر : اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله ومع الحسود تدرك عمق مرارته وحسرته، ولا ترى حاجة للرد، فتكمل بيت الشعر : فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله هذا ما أشعر به دائماً اتجاه أي شرر يتطاير أو مرارة تقطر من لسان المنظرين في الفضائيات وتقارير مراكز بالخارج، ولو التفتوا داخل بلدانهم لوجدوها من زجاج مشروخ ، لذلك من الخطأ أن نرى وطننا بعيون حاقدين يريدون تسويق بضاعتهم ويستهدفون هويات الأمم وثقافاتها بدلاً من احترامها والحوار معها لمستقبل إنساني أفضل للبشرية . والمملكة العربية السعودية وهي حاضنة الحرمين الشريفين وقبلة ملياري مسلم أكدت للعالم أنها وطن الحوار ومصدر إشعاعه، وفي الوقت الذي كان فيه العالم على شفا صراع بين الحضارات، قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كلمته وجذب أنظار وعقول البشرية على تنوعها الحضاري والديني والفلسفي أن الحوار هو اللغة الأسمى للإنسان، وأنه الحل لكل مشاكل العالم . هذا عن الخارج، وليأتي السؤال الأصعب : ماذا يكون شعورك وموقفك عندما تستمع لمفردات سلبية ولغة جارحة من إنسان ينتمي لوطنه، وأخذ من خيره ما لم يناله كثيرون غيره ؟ فقط أتساءل : " ماذا لو ؟ و " لو " هذه لا أريد بها عمل الشيطان ولا فتح أبوابه، في فكرنا، بقدر ماهي الغرابة ممن يمارس نكران وجحود تجاه وطنه، ويرى في نفسه " أستاذاً " في نقده وهو لم يقرأ الوطن جيدا ككتاب مفتوح يتواصل مع العالم بثقة وثبات لاتهزه رياح، ولم يتشرب هويته مع أن الوطن مصدر ثروته وأعماله حتى وإن لم يجعله مقرا لأمواله . أتمنى حقا لو أجد إجابة أو تفسيرا يقتنع به أحد، ويتفضل بإقناعي به وأكون له من الشاكرين، عندما ترى مواطنا يعيش في بلده وينهل من خيراته ثم يتفاخر بأنه يحمل جواز سفر آخر من دولة ثانية ويقدمه في أسفاره ..فهل في انتمائه لوطنه ما يخجل منه؟ بكل صدق أقول أن الانتماء ليس صفقة تخضع لحسابات الطرح والقسمة وإن حمل الإنسان أكثر من جواز وهوية وجنسية، والوطنية ليست شركة متعددة الجنسيات .. فللوطن حقوق عظيمة يجب أن تمارس تجاهه، لا أن نأخذ منه ونكبر ونتضخم ثم الجحود والعياذ بالله، فالانتماء ليس " ترانزيت " للتزود بالمزيد، بل ولاء يستقر في الضمير والوجدان، وحب يترجم بالأفعال في نمائه ورفعته والإسهام في علاج مشكلاته، وهذا حق أصيل للوطن لا يحتاج إلى شرح ولا تعريف، ولا يجب أن يخضع لاختبار، وإنما الوفاء بكل ما يستحقه الوطن، فلا عزة بدونه بعد عزتنا بنعمة الإسلام . أنا لا أقدم دروسا في الوطنية ولا أزايد على انتماء أحد ولا أزكي نفسي ولا أعفيها من أي تقصير، وإنما كما قلت في البداية هو الذوبان في الوطن، والاعتزاز بشرف الانتماء له، ونحمد الله على صلابة وحدتنا ووعينا الذي هو الحصن بعد فضل الله لاستقرارنا ووحدتنا كالبنيان المرصوص . وما نتمناه ونحتاجه حقا هو أن نحافظ على الارتباط الفطري بالوطن، المتجذر في أرضه الطيبة ..وأن نترجمه أفعالا وأعمالا ونعلنه عنوانا مضيئا ..وأن نقابل النعم بالشكر والإخلاص والبذل حتى تدوم ..وإذا كان ارتباط أي إنسان بوطن ما مرهون بما يكسب من خيراته وثرواته، فالمال يذهب ويبقى الوطن عزيزا وأمانة في الأعناق، بما نستظل به من هوية وأمن وعزة وخير وكرامة، أمانة يجب أن نوفها بحب وإخلاص، وإن نبرهن دائما على هذا الحب . أعزك الله يا وطني وأدام أمنك وأمانك وحنوك، وزاد مكانتك رفعة ورشاد نهجك وحكمة سياستك وثقة خطاك . ٭٭نقطة نظام : من شعور وأشعار الأمير خالد الفيصل : غنيت حبك يا وطن ولثمت بحروفي سماك وعشتك أكثر من زمن وسقيت من عرقي ثراك انت الأبو وانت الولد وانت التغرب والبلد وانت الشدايد والرخا أموت وتاريخك خلد sh 98khalid@gmail .com