يقترب العالم من استئصال شأفة مرض شلل الاطفال لكن خبراء بدأوا يشعرون بالقلق من خطر الفشل الذريع ويقولون انه قد تكون له عواقب على الثقة في معارك صحية تفوق هذا المرض اللعين. ويقول خبراء عالميون في مجال الصحة والامصال ان شلل الاطفال "على شفا الهزيمة" لكنهم يشعرون بالغضب من أن هدف القضاء عليه لا يزال يراوغهم بعد اكثر من 20 عاما من استهدافهم له. ويخشون من أن الفشل قد يقضي على الثقة في مشاريع كبيرة لمواجهة أمراض أخرى مثل مكافحة الملاريا او فيروس نقص المناعة المكتسب (الايدز) او الحصبة. وقال ديفيد ساليزبري الرئيس السابق لمجموعة الخبراء الاستشارية الاستراتيجية المعنية بالتحصين بمنظمة الصحة العالمية "يعني الفشل في القضاء على شلل الاطفال حتى الان أن هناك ظلا من الشك في كل مبادرات التحصين." وأضاف "لهذا يجب أن نحقق القضاء على شلل الاطفال. نحن بحاجة الى اظهار أن هذا يمكن تطبيقه." ويشير ساليزبري واخرون الى ظهور حالة من "ملل المانحين" في المشاريع الصحية العالمية ويرى أن الفشل في القضاء على شلل الاطفال يهدد بمفاقمة هذا الوضع. وينتشر شلل الاطفال في المناطق التي تكون ظروف الصحة العامة فيها سيئة ويهاجم الجهاز العصبي ويمكن أن يؤدي للاصابة بشلل لا شفاء منه في غضون ساعات من العدوى. والاطفال دون الخامسة من العمر هم الاكثر عرضة للاصابة بالفيروس المسبب للمرض الذي أعاق الاف الناس في كل عام بالدول الغنية حتى الخمسينات. وفي عام 1988 حين كونت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها المبادرة العالمية للقضاء على شلل الاطفال لقيادة المعركة كان المرض متوطنا في 125 دولة وأصاب نحو الف طفل بالشلل يوميا. الان بات متوطنا في اربع دول فقط هي الهند وباكستان ونيجيريا وأفغانستان وكان هناك انخفاض نسبته 99 بالمئة في الحالات منذ عام 1988 . وقال والت اورنشتاين نائب مدير التلقيح والامراض التي يمكن الوقاية منها بمؤسسة بيل وميليندا جيتس التي وعدت بتخصيص عشرة مليارات دولار في تطوير وتوصيل الامصال لمن هم في أمس الحاجة اليها على مدى العقد القادم. وظهرت 706 حالات لشلل الاطفال على مستوى العالم هذا العام في انخفاض عن 1126 في نفس التوقيت من عام 2009 لكن اكثر من 570 من تلك الحالات ظهرت في دول استطاعت فيما سبق القضاء عليه وتكافح الان موجات من المرض امتدت اليها من دول يتوطن فيها. وقال جو سيريل رئيس مكتب اوروبا بمؤسسة جيتس ان الاثر الثانوي لذلك قد يمتد لنطاق أوسع كثيرا. وأضاف "لو بعد 20 عاما من وعد قطعناه بأننا سنشهد القضاء على شلل الاطفال قريبا فان مصداقيتنا على صعيد القدرة على الاضطلاع بمهام جسام أخرى ستتضرر بشدة اذا فشلنا." وتقول جماعات عالمية معنية بحماية الصحة انها تواجه احجام حكومات الدول المانحة الغنية التي تضع نصب أعينها جمهور الناخبين والحاجة الى خفض الميزانيات والتي تريد توجيه المساعدات لاهداف أقصر مدى يمكن أن تصبح قصص نجاح سريعة ويمكن اثباتها بالدليل. وقال سيريل "اذا كان المجتمع الصحي العالمي يطلب من المانحين الدوليين الاضطلاع بالمدى الطويل ونحن نفكر في أهداف قابلة للتحقيق مثل القضاء على الملاريا او تطوير لقاح ضد فيروس (اتش.اي.في) فان هذه الامور قد تبدو صعبة للبعض وحينذاك سيقوض سجلنا مع شلل الاطفال ثقة المانحين هؤلاء." وأضاف "هذا هو الخطر الحقيقي." وحذرت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي من أن عودة موجات من مرض شلل الاطفال في انجولا التي لم تشهد ظهور اي حالات لمدة سبع سنوات قبل ذلك باتت راسخة وتمثل تهديدا للدول المجاورة. وبدأ خبراء يشعرون بالقلق من احتمال المزيد من الانتشار في أنحاء المنطقة ومن التكلفة الباهظة لتنظيم حملات لمواجهة الطواريء في وقت يشهد فيه التمويل العالمي لشلل الاطفال تراجعا. وتقول المبادرة العالمية لمكافحة شلل الاطفال ان هناك حاجة الى 2.6 مليار دولار لمكافحة المرض للفترة من عام 2010 الى 2012 وتوجد حاليا فجوة في التمويل تبلغ 810 ملايين دولار. وظهرت موجات لتفشي المرض في طاجيكستان التي تقول منظمة الصحة العالمية ان بها 458 حالة حتى الان هذا العام بعد أن لم تكن هناك اي حالات عام 2009 مما يزيد من المخاوف من أن الافتقار للحذر سيسمح للفيروس بمعاودة الظهور من جديد وأن ازالة اثار هذه الحالات القليلة التي ظهرت اخيرا قد يستغرق سنوات كثيرة أخرى. وتصف سونا باري من منظمة الصحة العالمية القضاء على شلل الاطفال بأنه "محك اختبار" لمشاريع صحية مستقبلية. وقالت "الامر لا يتعلق بالقضاء على شلل الاطفال وحسب... اذا حصلنا على افضل تدخلات فيما يتعلق باللقاحات وافضل أنظمة مراقبة المرض وأفضل مساعدة فنية وأفضل من يعملون في الميدان للقضاء على شلل الاطفال. اذا كنا غير قادرين على هذا فكيف نتوقع أن نقوم بأمور أخرى؟" (رويترز)