تتجه منطقة الخليج العربى بشكل ملحوظ لحالة من التوتر السياسى تغذيها السياسات الإيرانية العدوانية إزاء جاراتها الخليجيات وأشباح المواجهة العسكرية التى قد تكون إيرانية- إسرائيلية أو إيرانية إسرائيلية - أميركية، بل ربما توسعت لتصبح عملاً عسكرياً يقوم به حلف الناتو. ولا تكاد منطقة الخليج تطوى صفحة استفزاز إيرانى حتى يفتح النظام الإيرانى صفحة أخرى، ولأهمية استكشاف ما تريده إيران بالضبط من دول الخليج حملت مجلة (الوطن العربي) أسئلتها إلى جنرال عربى . وهذا هو نص الحوار من مجلة الوطن العربي : الوطن العربي: ماذا تريد إيران من الكويت والبحرين ودول الخليج العربى الأخرى ؟ أجاب الجنرال العربي بأن إيران تهدف إلى السيطرة على منطقة الخليج العربى، وهى فى المرحلة الراهنة تقوم بتكوين خلايا نائمة وخلايا استخبارات لتقوم بمهمات مزدوجة. وهذه العمليات تضمن جمع المعلومات فى الوقت الحاضر، ويتم استخدامها فى حالات الطوارئ، أى للقيام بعمليات تخريبية. وحسب مسؤول أمنى بحرينى كبير فإن الأراضى الإيرانية تستغل بغرض تهريب المخدرات إلى منطقة الخليج . وهناك إذن محاولات كبيرة، أولاً: لتكوين خلايا استخباراتية فى دول الخليج، وثانياً: إثارة مشاكل طائفية، وثالثاً: تكوين خلايا نائمة لأغراض التخريب فى وقت الأزمات والطوارئ. لكن هذه الحقائق تطرح تساؤلاً مشروعاً عن كيفية التصدى للتغلغل الاستخباراتى الإيرانى فى دول الخليج العربى. وفى الحقيقة فإن لدى دول الخليج العربى أجهزة استخبارات متطورة ومتقدمة، لكن ربما بحكم سياستهم الخارجية المعتدلة ومحاولتهم تفادى الاحتكاك والتقاطع فى العلاقات الخارجية يكون نشاطهم فى هذا المجال محدوداً مما يجعل دورة الاستخبارات والمعلومات ناقصة . فالاستخبارات تأخذ بحالتين: الأولى: الجانب التعرضى أى القيام بجمع المعلومات من مصادرها الأساسية، والجانب الثانى: هو الدفاعى، وهو الحصول على المعلومات من خلال عمليات المراقبة الداخلية ويدخل هذا ضمن الأمن الوقائى . ولدى إيران منظومات استخباراتية متعددة وقد لمسنا أن خلية واحدة تتكون من 14 عميلاً على الأقل، فهذا يعطينا دليلا على الحجم الكبير لعدد الوكلاء فى منطقة الخليج، لأن هذه شبكة واحدة لجهاز واحد، ولدى الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية الأخرى شبكات، وبالتالى هناك عدد كبير من خلايا الاستخبارات الإيرانية التى يمكن أن تستخدم لغرض جمع المعلومات أو فى جزء منها فى عمليات تخريبية أو لإثارة الاضطراب فى أوقات معينة . بصمات الحرس الثورى وإذا كانت الأجندة تبدو واضحة إلى حد بعيد فإن حجم هذا الشبكات يظل محاطا بقدر من الغموض، وهناك اعتقاد بوجود مئات العملاء الإيرانيين فى منطقة الخليج العربى، وهم ينشطون فى كل دول الخليج، وهؤلاء العملاء لا يعتبرون وفق المفهوم الخاطئ خلايا نائمة، فهذه خلايا تقوم بجمع للمعلومات والتجهيز لأمور أخرى، أما الحرس الثورى فإنه توسع بهذه الطريقة، لأن مسؤوليته فى إدارة الصراع فى منطقة الخليج هى مسؤوليته الرئيسة، ويعتمد عليه النظام الإيرانى أكثر من الجيش والأجهزة الأخرى. والحرس الثورى لديه مهام للحصول على المعلومات وجانب آخر عملياتى . وإذا كان الحرس الثورى لديه مهام عملياتية فلماذا يجند أشخاصا ويكلفهم بتجميع معلومات عن الحالة الاجتماعية والسياسية فى بلد خليجى.. هذا يعنى أن أهداف الحرس الثورى تتعدى المهام الدفاعية. ويمكن توصيف هذه الحالة بأنها جزء أساسى لما يطلق عليه تصدير الثورة الإسلامية . لكن لماذا موقع (تابند) التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام يطالب بجعل الكويت المحافظة 28 وتسميتها (كويتران)، هل لديهم هدف ضم الكويت إلى إيران ؟ - يرى الجنرال وفقاً لتقييمه أن الهدف الإيرانى هو أولاً تكوين خلايا معلومات وخلايا نائمة لإثارة الاضطراب عند الحاجة لغرض استغلال فرصة معينة لإثارة الاضطراب العام فى منطقة الخليج وليس الكويت فقط. وهذا يتوقف أيضاً على مدى قدرة إيران على تصنيع السلاح النووى. فإذا تمكنت إيران من الحصول على سلاح نووى فسوف تزداد نواياها عدوانية. وإيران لا تريد الكويت فحسب بل منطقة الخليج بكاملها، لكن هذه أهداف وأطماع غير قابلة للتحقيق لعدة أسباب. السبب الأول كون منطقة الخليج منطقة نفطية تؤثر على اقتصاد وأمن العالم، ما يعنى أن عدوانا إيرانيا سيترتب عليه ردود فعل مماثلة، وربما أشد مما حصل فى 1990 - 1991 مع العراق . وعلى الجانب الآخر فإن هناك أجهزة استخباراتية عديدة فى منطقة الخليج وإمكانيات مالية عالية وهناك بناء متسارع للقوة العسكرية الخليجية، والقوات الجوية فى دول الخليج تتفوق تفوقاً ساحقاً على القوة الجوية الإيرانية. أيضا فإن إيران تمتلك قوة برية كبيرة ضاربة، لكن أية عملية مجابهة مع الغرب ستكون القوات البرية فيها معطلة بشكل أكيد، لأن الغرب لا يمكن أن يقوم بأى عمليات اقتحام للأراضى الإيرانية، لأنه لا يريد إعادة تجربة العراق. وسيستخدم أسلحة البعد الثالث أو المعالجة عن بعد بواسطة الصواريخ والطيران فى حالة حصول مجابهة. عندئذ تتحول القوات الإيرانية إلى عبء على الدولة الإيرانية وتصبح معطلة تماماً . المجال الوحيد الذى يمكن لإيران أن تستخدم القوات البرية فيه هو فعلاً أن تقوم القوات الأميركية باحتلال عدد من الجزر فى الخليج العربى لضمان المرحلة الأولى من تأمين الملاحة البحرية، ووفقاً لذلك نشاهد أن المناورات الأخيرة التى أجرتها البحرية الإيرانية كانت تتركز على الدفاع عن هذه الجزر أو إعادة احتلالها. الصفقة غير موجودة وعما يقوله باتريك كلوسون من أن دول الخليج تخشى من صفقة كبرى إيرانية- أميركية، يؤكد الجنرال أن هذه الصفقة غير موجودة، لأن الأطماع الإيرانية تتقاطع تقاطعاً سلبياً كبيراً مع المصالح الأميركية فى المنطقة، ولا يمكن أن تفرط إيران فى أى موقع نفطى فى منطقة الخليج. فى الجانب الآخر لدى العرب خيارات ولا يمكن أن يوافقوا أو ينساقوا وراء عملية تقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا. وعن فرض الصفقة يرى الجنرال أنه إذا شعر العرب أن هناك تقاسم نفوذ أميركى- إيرانى، فإنهم سيلجأون إلى خيارات أخرى بينها الانفتاح على دول غربية أخرى وربما إلى الشرق أو تسليح أنفسهم تسليحا مضاعفاً، ولا يمكن لأميركا أن تفرض على العرب الصفقة مع إيران، وليس فى مصلحتها فرض تقاسم النفوذ بين أميركا وإيران. والنظام الإيرانى لا يوثق به أميركياً . وإيران ستحاول إثارة مشاكل على أسس طائفية فى منطقة الخليج وعندما يزعزعون الأمن الداخلى، وإذا امتلكوا السلاح النووى وأحكموا سيطرتهم على العراق، تصبح هناك حالة تصادم خطيرة جداً بين ضفتى الخليج، إلا أن الخليجيين يمتلكون أوراقاً مقابلة. ومن أوراق دول الخليج أن الشعوب الإيرانية غير متجانسة، فأكراد إيران يسعون إلى الاستقلال، وهناك البلوش السنة والأحوازيون الذين يطلون على الضفة الشرقية للخليج. وهناك منظمات علمانية كبيرة داخل إيران ليست موافقة على نظام الولى الفقيه. وإذا استمر النظام الإيرانى فى التصعيد ضد منطقة الخليج ربما يضطر الخليجيون إلى استخدام هذه الورقة ومساعدة المعارضين الإيرانيين سواء كانت معارضتهم على أساس مذهبى أو عرقى أو سياسى، وعندئذ توضع إيران فى مأزق داخلى خطير جداً .