: قال مشايخ وعلماء وأكاديميون: إن منع تمثيل الصحابة الكرام رضي الله عنهم مما استقرت عليه الفتوى بين علماء المسلمين من يوم أن ظهر التمثيل في واقع المسلمين، مشيرين إلى إجماع هيئة كبار العلماء، ولجنتها الدائمة في المملكة، ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، على هذا المنع وأكد 18 عالماً وأكاديمياً في بيان وصلت "تواصل" نسخة منه، أن تمثيل صحابة رسول الله يفتح باب الفتنة وهو شر، يبوء بإثمه كل مشارك فيه، مشيرين إلى أن عمر الفاروق رضي الله عنه ثاني اثنين أمرنا بالاقتداء بهما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. وفيما يلي نص البيان: بسم الله الرحمن الرحيم بيان حول الموقف الشرعي من تمثيل الصحابة كما في مسلسل الفاروق - رضي الله عنه - الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن مما عظمت به الرزية في هذا العصر الاجتراء على مقررات الشريعة، والتطاول على ما حمت جنابه ورفعت شأنه، ودعت للأدب معه و منعت من انتقاصه، ومن ذلك التعدي على الصحابة الكرام رضي الله عنهم بانتحال أشخاصهم، وتمثيل وقائع حياتهم الخاصة والعامة، وحول هذا العمل، وما يكتنفه من محاذير عدة، نسجل الملحوظات الآتية: 1- أن منع تمثيل الصحابة الكرام رضي الله عنهم مما استقرت عليه الفتوى بين علماء المسلمين من يوم أن ظهر التمثيل في واقع المسلمين، وتحقق في هذا الأمر ما يمكن أن يسمى عند العلماء بالإجماع السكوتي، معالمه اجتماع مجامع الفتوى الكبرى على ذلك، مثل هيئة كبار العلماء، ولجنتها الدائمة في السعودية، ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فتخطي هذا الإجماع والاجتماع الذي يمثل السواد من العلماء فتح لباب فتنة وشر، يبوء بإثمه كل مشارك في مثل هذه الأعمال الخاطئة. 2- أن المجيزين لهذا العمل يستندون في فتواهم إلى عدم وجود نص مباشر مانع، وهو مستند واهٍ لا يقول به فقيه، فإن مصادر الأدلة كثيرة يجمعها النص والدليل المستنبط الذي ثبتت مقدماته بالنص، والثاني هو مستند الفتوى بالمنع والتحريم، وعلل التحريم عديدة، ذكرها أهل العلم في فتاويهم ومقالتهم حول هذه النازلة، ويكفي أن يعلم أن كل النصوص التي فيها ذكر لحرمة الصحابة رضي الله عنهم، وبيان عظيم مقامهم، وشرفهم على سائر القرون، وتزكيتهم، وتعديلهم، تصلح أدلة لتحريم تمثيل أشخاصهم، وكل عمل يغض من مكانتهم رضي الله عنهم. 3- أن اشتراط النص الظاهر للقول بالتحريم والإعراض عن الأدلة المستنبطة ليست طريقة أهل العلم في الاستدلال، وهي فتح لباب التبديل والتحريف للأحكام الشرعية، فإن كثيراً من الأحكام الشرعية مستندها أدلة استنباطية، ومن ذلك الفتوى بمنع تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم إن العلل والأدلة الواردة في منع تمثيل الأنبياء، والمفاسد الحاصلة بذلك، موجودة في حق الصحابة - مع فرق بين المقامين لا يؤثر في أصل الحكم - والذي تجرأ على تمثيل الصحابة رضي الله عنهم بعد استقرار الفتوى على منعه سيتجرأ لاحقاً على تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بجامع العلة أو بنفي الفارق أو عدم تأثيره، أي أنه سيشهر الحيثيات نفسها التي يشهرها اليوم لتسويغ تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا فعل أهل الكتاب؛ مثلوا أحبارهم ورهبانهم أولاً، ثم مثلوا أنبيائهم لاحقاً، فالحزم الحزم في إيصاد هذا الباب، حماية لجناب الدين، وحفظاً لمقام الملة في مصادر أدلتها وفي أعز رموزها ورجالاتها . 4- أن عمر الفاروق رضي الله عنه ثاني اثنين أمرنا بالاقتداء بهما بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وهو ثاني الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضو عليها بالنواجذ ...." الحديث. وهو أحد الصحابة رضي الله عنهم، بل هو أحد كبارهم الذين اتفقت الأمة على حجية أقوالهم وعدم الخروج عنها، فكيف يستطيع مجموعة من الممثلين الجهلة والفساق – على فرض حسن النية – أن يمثلوا هذه الشخصيات، بحيث تكون أقوالهم وسلوكهم محلاً للتأسي والاقتداء للأمة، فالنتيجة: إما تحريف للدين في أذهان المشاهدين، أو تحريف لسيرة هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في أفعال الممثلين، ولذا وجب منع ذلك في حق الصحابة رضي الله عنهم عموماً، ثم في حق الخلفاء الراشدين خصوصاً، ثم في حق الشيخين بشكل أخص، ومع الأسف؛ فإن المسلسل يصور بالإضافة إلى عمر رضي الله عنه بقية الخلفاء الراشدين وجمهور من الصحابة رضي الله عنهم. 5- وفي ما يخص مسلسل الفاروق – رضي الله عنه - نقول: هناك قواعد عظيمة في الشريعة، وجوانب متينة في عقيدة التوحيد، تجلت في شخصية عمر رضي الله عنه، هل سيذكرها المسلسل أم سيغفلها، مثل قوته الصارمة في الحق، وردعه لأهل البدع والأهواء، وإشهار عقيدة الولاء والبراء، ومن ذلك تطهير جزيرة العرب من المشركين، وتسيير الجيوش للفتوحات، ورفضه التنازلات والمداهنات في الدين، وصده لأبواب الشر وذرائعه، ومحاربته للمنافقين، وتهديده بقتلهم، وسد ذرائع الفتن والشهوات المحرمة، ومن ذلك منعه للاختلاط بين الرجال والنساء، ومنعه الجهر بالآراء المخالفة للشريعة، وتأديب المخالفين للشرع، وذلك أنها تخالف رسالة هذه القناة التي ستعرض المسلسل ومن يقف خلفها، وتتعارض مع منهج بعض المفتين لها. أم أن التركيز سيكون على جوانب عمر الإدارية والرقابية، وإقامة العدل بين الناس وحقوق الأقليات، ونحو ذلك مما يسمى بلغة العصر الجوانب المدنية، وهذه وإن كانت جوانب حقيقية في شخصية عمر رضي الله عنه، لكن التركيز عليها وحدها دون الجوانب الأخرى تشويه لهذه الشخصية الرائدة في تاريخ الإسلام. 6- إن حال التمثيل اليوم وما يتلبس فيه من منكرات؛ كسفور النساء واختلاطهن بالرجال الفساق، وخضوعهن بالقول لهم، والخلوة المحرمة، والنساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، والموسيقى التصويرية، وتصوير أن ذلك يمثل طريقة حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لهو من الاجتراء على مقامهم، وهو تزوير لطريقة حياتهم، وكذب عليهم، وتحريف للدين الذي كانت أقوالهم و سلوكهم رضي الله عنهم تطبيقاً له، فالمفاسد الحاصلة في مثل هذه الأعمال تربو بكثير على أي مصلحة فيها، وطريقة الشريعة منع مثل ذلك، فضلاً عن أنه يمكن تحصيل تلك المصالح بوسائل شرعية أخرى مكافئة. وختاماً نؤكد على حرمة ما يسمى بمسلسل الفاروق وأمثاله، وبطلان هذه الأعمال، وحرمة مشاهدتها، وندعو عموم المسلمين إلى مقاطعة هذه القنوات وعدم استقبال بثها. نسأل الله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ علينا ديننا، ويصلح أمرنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الموقعون: 1- العلامة الشيخ د.عبدالرحمن بن ناصر البراك، أستاذ العقيدة بجامعة الإمام سابقاً. 2- الشيخ أ.د.ناصر بن سليمان العمر، الأمين العام لرابطة علماء المسلمين. 3- الشيخ د.محمد بن ناصر السحيباني، عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة سابقاً، والمدرس بالحرم النبوي. 4- الشيخ أ.د.علي بن سعيد الغامدي، أستاذ الفقه بجامعة الإمام والمدرس بالحرم النبوي سابقاً والمحامي. 5- الشيخ د.أحمد بن عبدالله العماري الزهراني، عميد كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية سابقاً. 6- الشيخ د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين، أستاذ الجامعي. 7- الشيخ د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري، الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود. 8- الشيخ د.عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي، الأمين العام المساعد لرابطة علماء المسلمين. 9- الشيخ د.ناصر بن محمد الأحمد. 10- الشيخ د.خالد بن عبدالله الشمراني، أستاذ الفقه المشارك بجامعة أم القرى. 11- الشيخ د.محمد بن عبدالله الخضيري، أستاذ العقيدة المشارك بجامعة القصيم. 12- الشيخ د.محمد بن سليمان البراك، الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى. 13- الشيخ أ.د.سعد بن عبدالله الحميد، أستاذ الحديث بجامعة الملك سعود. 14- الشيخ د.عبدالله بن عمر الدميجي، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى. 15- الشيخ د.خالد بن عثمان السبت، أستاذ التفسير وعلومه بجامعة الدمام. 16- الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله المبدل، أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود. 17- الشيخ د.ناصر بن يحيى الحنيني، المشرف العام على مركز الفكر المعاصر. 18- الشيخ أ.د.وليد بن عثمان الرشودي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بالرياض.