- تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم عن فضل نعمة الإسلام الذي هو أعظم نعم الله على عباده وأجلّها، فهو دين كامل، وطريق الهدى الذي جمع المحاسن كلها، محذراً من اتباع طرق الزيغ والضلال التي يسلكها أهل الكتاب من اليهود والمشركين. واستهل فضيلته خطبة الجمعة التي ألقاها، اليوم، في المسجد الحرام مذكراً بعظم نعمة الإسلام، لقوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً"، فهو الدين كامل، الذي رضيه الله لخلقه، ودعا الناس إليه، فهدى من شاء منهم إليه، وتفضّل عليهم به، فقال عز وجل: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ". وقال: "من لم يعرف الجاهلية لم يعرف حقيقة الإسلام وفضله، وإنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وقد كان الناس في جاهلية دهماء انطمست فيها السبل واندثرت معالم النبوة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا أهل الكتاب)، فبعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالبيانات والهدى، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور. وبيّن فضيلته: أن من أكبر مقاصد الدين مخالفة أعدائه لئلا يعود الناس إلى جاهليتهم، فنهى عن التشبّه بأمور الجاهلية من عبادات أهل الكتاب والمشركين وعاداتهم فيما يختصون به، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين) رواه البخاري. وذكر أن الله جل وعلا نهى عن اتباع أهوائهم فقال: "ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" فكل شيء من أمر الجاهلية فهو مهان؛ إذ وضعه النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدمه، فجاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي) وقال صلى الله عليه وسلم: (وأبغض الناس إلى الله مبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية)، وأعظم باطل كانوا عليه دعوة الله معه وجعل شركاء له في عبادته فقال الله سبحانه: "وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا"، وقولهم: "مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"، مؤكداً أن هذا من أكبر ما خالف فيه رسول الله أهل الجاهلية فأتاهم بالتوحيد وإخلاص الدين لله وحده، ولأجلها افترق الناس إلى مسلم وكافر ومناصر ومعادٍ، وعباد الله الذين لا يدعون معه إلهاً غيره، ولا يعبدون أحداً سواه. وأشار الشيخ القاسم، إلى أن الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم سبيل الضلال، وإذا انضاف إلى ذلك استحسان الباطل تمت الخسارة، فقال الله جل وعلا: "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ". وأوضح أن حسن الظنّ بالله عبادة ودين، ومن أساء الظن بربه فقد سلك طريق الجاهلية، قال تعالى: "يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الجاهلية" مبيناً أن من سوء الظنّ به سبحانه القدح في حكمته، والإلحاد في أسمائه وصفاته، ونسبة النقائص إليه كالولد، والشريك، والعجز، واللغوب، تعالى الله عن ذلك. وقال فضيلته: إن الأمر لله وحده، فهو الربّ وبيده مقاليد كل شيء، وتعليق التمائم وإتيان السحرة والكهنة والعرّافين قدح في الدين، وإفساد للفطرة، وضعف في العقل ومتابعة لطريق أهل الجاهلية، فقد أمرنا الله بالتوكّل عليه وتفويض الأمور إليه، والاستعاذة بالجنّ لا تزيد صاحبها إلا خوفاً وضعفاً، فقال الله سبحانه وتعالى: "وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً". وفي الإسلام أبدلنا الله بالاستعاذة به ومن نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق، لم يضرّه شيء حي يرحل من منزله ذلك. وأضاف: أن الحكم لله وحده، والتحاكم إلى دينه واجب، والاعتياض عن ذلك بغيره فساد وباطل، فقال تعالى: "أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ". وزاد: أن من أضاف النعم إلى غير ربه ما عرف فضله ولا شكره، وهذا طريق الجاهلين، لقوله سبحانه: "يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ"، مبيناً أن المؤمن شاكر لربه، متحدث بنعمته عليه، ويسخّر فضله فيما يرضيه، كما أن الزمان مخلوق مسيّر فمن سبّه، أو أَضاف له فعلاً ففيه شعبة من شعب الجاهلية، حيث قالوا: "وما يهلكنا إلا الدهر". ومضى بقوله: القدر قدرة الله، وأن على المؤمن الإيمان به، والتسليم لأمر الله قدره، والمشركون ينكرون القدر، ويعارضون به الشرع فقالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا). كما أن التكذيب بالبعث أو الشك فيه كفر من طرق الجاهلية، فجاء في الآية قولهم: "وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ"، مبيناً أن من كذّب بآيات الله أو بعضها أو شك فيها فهو متابع للمشركين، إذ قالوا: "إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ". ومضى فضيلته يقول في بيان صور الشرك بالله وضعف الإيمان، إن الأمن من مكر الله أو اليأس من روحه ينافي الإيمان، وعليه كان أهل الأوثان، مذكراً بأن المؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء، فيرجو رحمته ويخاف عذابه، عامراً قلبه بحبّ ربه. وذكر فضيلته أن الإسلام دين قيّم، جعل الله أهله أمة وسطاً، فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، صراط مستقيم مجانب لطريق المغضوب عليهم والضالين، مستدلاً بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغلو في الدّين، فإنما أهلك من كان قبلكم، الغلوّ في الدين". وأفاد: أن الدين أتى بوجوب مخالفة أهل الشرك والضلال في عدة أمور من بينها مخالفتهم في أماكن ذبحهم، وفي الصلاة والنداء إليه أمرنا بمخالفتهم فشرع الأذان، وكره بوق اليهود وناقوس النصارى، ونهى عن الصلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب؛ لأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفّار، وكذلك مخالفتهم في دفن الأموات، وفي الصدقة جاء الأمر بإنفاق الأموال في سبيل الله خلافاً لمن أنفقها في الصدّ عن سبيله. وأضاف: أن في الصيام فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر، ولا يزال الناس بخير ما أخروا السحور، وعجّلوا الفطر مخالفة لأهل الكتاب، مبيناً أن الرسول عليه الصلاة والسلام صام عاشوراء ولمّا علم أن اليهود تصومه قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع)، وأضاف فضيلته أن في الحج كان أهل الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم، وقال: (دخلت العمرة في الحج)، وكذا مخالفتهم في أمور عديدة بالتواضع وعدم الكبر أو السخرية بالآخرين، وترك الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميّت، وكذلك النهي عن أكل الربا، فأحلّ الله الطيبات وحرّم الربا، وأكل كل خبيث وهم عكسوا ذلك. وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي: إن من سنن أهل الكتاب أنهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، وإذا أمروا نسوا أنفسهم فكانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وقدوة لغيرهم، داعياً إلى الاجتماع والألفة التي حضّ عليها الإسلام بالاجتماع على والٍ يقوم بأمور دينهم ودنياهم والسمع والطاعة له في غير معصية أمن ورخاء وقوة على الأعداء، ومن سنن الجاهلية الخروج على السلطان ومفارقة الجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم.