- اتهامات متبادلة ومغلفة ب»الهدايا« كما يطلق عليها طرفا الاتهام، فبدلا من أن تكون الوصفة الطبية ملاذا إلى العافية باتت شيكا مصدقا يستحق الطبيب بموجبه »هديته« التي تتناهى في الصغر رسميا بما لا يتجاوز ال50 ريالا، وتتعاظم لتستوعب في طياتها عقد سيارة. عوامل متعددة أسهمت بازدحام روشتة عدد كبير من الأطباء فحولتها رغم قصر قامة الورقة إلى قائمة طويلة من المستحضرات الصيدلية التي إما أن تفعل خيرا فتكتفي بإرهاق جيب المريض أو أن ترهق جيبه وبدنه بتناول ما يلزم وما لا يلزم. ووفق المدونة السعودية لأخلاقيات ممارسة تسويق المستحضرات الصيدلانية في المملكة والصادرة عن هيئة الدواء والغذاء فإن الهدايا المسموح بها للأطباء من مسوقي الأدوية محصورة في قيمة لا تتجاوز الخمسين ريالا، إذ تنص الفقرة 16 من المادة الثانية عن الدعاية ومحتوياتها على أنه يمكن منح هدايا عينية لمقدمي الرعاية الصحية بشكل رمزي وبحد أقصى 50 ريالا، شريطة أن تكون مرتبطة بالمجال الطبي أو لها دلالة طبية يمكن الاستفادة منها في عملهم، بينما تتيح المدونة تقديم ما هو أكثر قيمة للمستشفيات والمراكز الطبية، إذ تنص الفقرة 18 من نفس المادة على أنه يمكن تقديم منح للمستشفيات الحكومية أو الخاصة وليس للأفراد في شكل مساعدة لتأسيس جهاز أو قسم، بينما على الصعيد العلمي يتاح للشركات تقديم المراجع وفق الفقرة 19 من نفس المادة على أنه يمكن تقديم كتب، ومراجع علمية، ومعلومات، وهياكل تشريحية، أو مواد تعليمية أخرى مثيلة لمقدمي الرعاية الصحية إذا كان لها هدف تعليمي بحت، بحيث تكون بقيمة معتدلة. وفقا لصحيفة مكة رغم تخطي حاجز الخمسين ريالا إلا أن شركات تسويق الأدوية الأجنبية تعتبر نفسها في منأى عن الخطيئة، فما تقدمه هذه الشركات وفقا لشهادة ثلاثة من العاملين بها لا يتجاوز كونه رعاية مالية لمؤتمر علمي أو تكفل بسفر الطبيب إلى مؤتمر علمي بما يضمن رسوم تنقلاته وتسجيله في المؤتمر، وهي كلها في نظر الشركات الأجنبية ليست إلا دعما علميا يعود بالفائدة على المريض، وتتباهى الشركات الأجنبية بأنها تسير على ميثاق شرف وأخلاقيات مهنة واتفاقيات فيما بينها تمنعها من تقديم أي عمولة لطبيب أو مستشفى خارج إطار الدعم العلمي لمؤتمر أو رعاية فعالية طبية، وأن هذه الاتفاقيات صارمة بحيث يمكن مقاضاة من يتخلف عن الالتزام بها عوضا عن الفصل الفوري لأي موظف يتورط بتقديم أي رشوة لطبيب. بل يشتكي مندوبو مبيعات هذه الشركات من كون أدويتهم التي تفرض نفسها تعد أدوية مخترعة وأصلية قد لا يعتمدها الطبيب على الرغم من فعاليتها العالية لأن الشركة لا تقدم «خدمات» بحسب ما يسميه الأطباء. «محمد، س» مندوب سعودي عمل في شركة تسويق محلية ثم انتقل إلى أخرى أجنبية، قال إن الشركات المحلية تدفع رواتب أعلى لمندوبيها خاصة السعوديين منهم، وتخصصهم لزيارة المستشفيات الحكومية فقط أو وزارة الصحة كون الخدمات المقدمة لهذه الجهات قد لا تحتاج عمولات كبيرة كما في مستشفيات القطاع الخاص، على الرغم من أن بعض الأطباء بالمستشفيات الحكومية يتورطون ب»الخدمات» مقابل توصيات بتوفير دواء علامة تجارية معينة. وبحسب محمد فإن شركات الأدوية المحلية لديها مرونة أكبر في دفع العمولات وتقديم الخدمات كونها تعتمد بدرجة كبيرة على هذا الأسلوب لأن جميع أدويتها أقل كفاءة عادة عن الدواء الأصلي المقدم من الشركات الأجنبية. في المقابل كانت لوحة «كل دواء له بدائل مختلفة وبأثمان مختلفة» المعلقة في كل صيدلية فرصة سانحة لعديد من الصيادلة للدخول إلى عالم المستهدفين ب»الخدمات»، لتكون عملية مركبة بين الطبيب والصيدلي في آن، إذ أفادنا أحد المندوبين أن الصيادلة بدورهم يصرفون البديل المتفق عليه من الشركة المقدمة للخدمة وبالتالي يضمن الصيدلي عمولته بحسب كميات تصريف الدواء من صيدليته، بل يخضع بعض الصيادلة لطلبات الأطباء بتحويل أي مندوب أدوية إلى الطبيب ليفاضل بين العروض بنفسه. حجم العمولة يختلف باختلاف الطبيب وقوته وكثافة توافد المرضى على عيادته، فبحسب ما ذكره اثنان من مندوبي الأدوية وصلت عمولة أحد الأطباء إلى تقسيط سيارة فارهة للطبيب، إذ اشترطت الشركة على الطبيب أن يستمر في اعتماد دوائها في وصفاته الطبية بشكل منتظم وبعدد شهري متفق عليه، فيما تلتزم الشركة بسداد أقساط السيارة طالما التزم الطبيب معها بوضع الدواء في وصفاته، وتتوقف الشركة عن دفع قسط السيارة بمجرد توقفه عن اعتماد الدواء. أطباء آخرون اعتمدت عمولاتهم على النسبة المقطوعة التي تصل إلى من مبيعات الدواء، أو على كل علبة دواء مبلغ مقطوع، يستلمها بعض الأطباء نقدا، فيما يفضل عدد كبير منهم اعتماد «الكوبونات» كونها «أستر» بحسب المندوبين، إذ إن هذه الكوبونات تتراوح بين كوبونات السوبر ماركت أو بعض محلات بيع الالكترونيات وغيرها. لكن جميع المناديب اتفقوا على أن العمولة الأكثر شيوعا والأبعد عن الشبهات تذاكر الطيران والرحلات العائلية. المناديب صنفوا شركات الأدوية إلى ثلاث فئات بحسب تقديمها للعمولات، كانت الأعلى في اعتمادها للعمولات الشركات الأجنبية من دول عربية كونها تقدم أدوية شبيهة وهي غير مدعومة من الجهات الحكومية، تليها شركات التسويق المحلية مدعومة في المشتريات الحكومية، فيما حظيت الشركات الأجنبية على المرتبة الأخيرة في تقديم الخدمات كونها تعتمد في تسويقها على أن الدواء مخترع وليس شبيها، والتأمين الصحي بدوره زاد من إمكانات الأطباء في استغلال شركات التسويق كون المرضى لا يتحملون تكلفة الأدوية ما يجعلهم يصرفون أي كمية من الأدوية في الوصفات الطبية. و تحدثوا عن غياب الرقابة، فعلى الرغم من وضع ضابط الخمسين ريالا إلا أن الرقابة غائبة عن ما يقدم زيادة على ذلك بحسبهم، عوضا عن إقدام بعض الأطباء على طلب الخدمات دون عرضها من الشركات. مدونة أخلاقيات ممارسة تسويق المستحضرات الصيدلانية بدورها لم تذكر أي عقوبات بشأن عدم الالتزام بالضوابط المطلوبة في تسويق الأدوية، وإلى أن تصحو الرقابة من غفوتها ستظل قوائم الوصفات الدوائية تزداد طولا.