اليوم كنت في زيارة صديق قديم، وأثناء الحوار سألته عن فلان وعلان، فتنهد وقال: خلاص راحت أيام زمان، كل واحد ذهب إلى حاله، قلت له كيف؟؟ وأين الصداقة التي عرفتها عنكم؟؟ ثم قلت له: الزمان هو الزمان وإنما المتغير هو الإنسان، لن أطلب منك أن تكون ملاكاً ولا مع الشياطين، ولكن كن أنت صاحب المبدأ لا تتغير ولا تتبدل، ولا يهمك الآخرين ولا تصرفاتهم ولا آرائهم. رد علي قائلاً: "لا صاحب لك اليوم لأنها غاية لن تدرك!! ومن باعك بيعه ولو كان غالي، ومن قدرك حطه على رأسك مهما كان، واليوم بمحض الصدفة قرأت حواراً دار بين صديقين من كبار السن، قال الأول: بكم بعت صاحبك؟ فرد عليه الآخر: بعته بتسعين زلة.. فقال الأول: أرخصته أي بعته بثمن بخس وزهيد!! تأملت هذا المثل كثيراً، فذهلت من ذلك الصديق الذي غفر لصديقه تسعة وثمانين زلة، ثم بعد زلته التسعين تخلى عن صداقته.!! وعجبت أكثر من الشخص الآخر الذي لامه على بيع صاحبه بتسعين زلة، وكأنه يقول تحمل أكثر.!! وهنا كأن الرجل يقول التسعون زلة ليس ثمناً مناسباً لبيع صاحبك، ولقد أرخصت قيمة صديقك، فياترى كم يساوي صاحبي أو صاحبك من الزلات؟! بل كم يساوي إذا كان قريباً أو صهراً أو أخاً أو زوجاً أو زوجة؟! بكم زلة قد يبيع أحدنا أمه أو أباه.؟ بكم وبكم بالله عليكم؟! إن من يتأمل واقعنا اليوم ويتعرف على القليل من أحوال الناس والقطيعة التي دبت في أوساطهم، سيجد من باع صاحبه أو قريبه أو حتى أحد والديه بزلة واحدة فقط، بل هناك من باع كل ذلك بلاذنب سوى أنه أطاع نماماً أو كذاباً.!! ترى هل سنراجع مبيعاتنا الماضية من الأصدقاء والأقارب والأهل الأحباب وننظر بكم بعناهم؟ ثم نعلم أننا بخسنا أثمانهم، وبعنا الثمين بلا ثمن، هل يا ترى سنرفع سقف أسعار من لازالوا قريبين منّا؟! فالقيمة الحقيقية لأي شخص تربطك به علاقة لن تشعر بها إلا في حالة فقدانك له بعد الموت.. ومن منّا منزه عن الخطأ فكلنا بني البشر نصيب ونخطيء ولابد أن تكون قلوبنا أوسع وأرحب للتسامح والتصافح والتجاوز، ولا ننتظر ونتصيد أخطاء وزلات أصدقائنا لنجد لنا مبرراً لقطع العلاقة، فالصديق الحقيقي لا يقدر بثمن وهو بمثابة الكنز. ترويقة: لا تبع علاقاتك بأي عدد من الزلات مهما كثرت، ولا جدوى من قبلة اعتذار على جبين ميت غادر الحياة، فاستلطفوا بعضكم بعضاً وأنتم أحياء، وامحُ الخطأ من أجل الأخوة، ولا تمح الأخوة من أجل الخطأ. ومضة: اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا.. قال الله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).