بقلم/منى الشعلان . إن السعادة جنة الأحلام ومنتهى الآمال، وجوهر الحياة ، ينشدها كل البشر ، وقليل من يدركها ، ومع اختلاف العباد ومعايشهم إلا أنهم متفقون على طلب السعادة ، لتوجعهم من مكابدة الحياة وآلامها وظروفها القاسية ، ولطمعهم في حياة سعيدة هنيئة لا أحزان فيها ولا هموم ، ونوال السعادة منحة من الرحمن يهبها لمن يشاء من عباده ، فمنهم من ينعم في جناها ، ومنهم من يحرمها ويعيش في أمانيها ، والموفق من هدي إليها فسلك طريقها وخطى إليها مشمراً وعمل لها . والسعادة لن تُنال إلا بتقوى الله عز وجل وبطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالبعد عن المعاصي والسيئات، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) . وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ وَتَقوى اللَهِ خَيرُ الزادِ ذُخراً وَعِندَ اللَهِ لِلأَتقى مَزيدُ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "من أراد السعادة الأبدية،فليلزم عتبة العبودية" والسعادة الحقيقية والرضا هي نتاج عدد من العوامل ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال الموازنة بين الجوانب المادية والروحية للحياة ، فإذا أغفلنا الجانب الروحي للحياة ، فسيؤدي ذلك إلى مرض الروح والعلاج هو الإيمان بالله تعالى وقبول الإيمان الذي رضاه للبشرية. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وإنّ السعادةَ الحقيقيةَ قرارٌ يتّخذهُ الإنسان بإرادته وصبره ورغبته ، فإذا عزمَ الإنسان على أن يكونَ سعيداً سيفرحُ بأبسط الأشياء وأصغرها ويحفلُ بها، وينظرُ لها بعين الرِّضا والحب . ولا قيمة أعظم ولا أسعد ولا أدوم من أن تكون مع الله في كل أحوالك وهو يهديك ويرضيك . فالسعادة هي الرِّضا إذا رضيتَ فأنت سعيد ، وكلَّما زادَت طلباتك نقصَت سعادتُك. والسعادة توجد في مكانين : قلب قانع بالعطاء ؛ ونفس مطمئنة بالقضاء ، فالقناعة كنز لا يفنى . إن القنوع نفيس النفس راشدها وهو الغنيُّ الذي يحيا بلا نصبِ وتتمثل السعادة بأشياء كثيرة منها أحاطتنا بمن نحب وراحة البال وغيرها . تَرجو السَّعادَةَ يا قلبي ولو وُجِدَتْ في الكونِ لم يشتعلْ حُزْنٌ ولا أَلَمُ ▪️ أسباب السعادة : مجالسة السعداء والاختلاط بهم والتخلق بأخلاقهم الحميدة كما جاء في المثل المشهور : " جاور السعيد تسعد ". قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء) . ويقول الإمام الغزاليّ : (إنّ اللذة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل . واعلم أنّ سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه ، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة ، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة ، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ القلب مخلوق لها). وللوصول إلى السعادة الحقيقية ، نحتاج إلى معرفة الهدف من حياتنا ، وكيفية الوصول إلى النجاح في الآخرة ، والوصول الى الحالة من الرضا من خلال اتباع أوامر الله وديننا الحنيف و جعل القران الكريم منهجا لحياتنا. قال الله تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). فإن السعادة تقاس بأشياء كثيرة أهمها رضا الله تعالى ورضا الوالدين وكذلك إذا كنت راض عن نفسك وما تعمل حينها تشعر براحة بال لا حدود لها وبسعادة تغمرك ، وتنال حظًا منها بقدر ما تقدمها لغيرك ، سواء كان ذلك بكلمة طيبة أو ابتسامة أو مواساة أو تقديم أي مساعدة لكل محتاج على وجه البسيطه. قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى: (إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها؛ زهداً فيها، واحتقاراً لها. يصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة؟ ويُحْمَى عن الطعام ويمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها ؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟ لماذا لا تعرفون النعم إلا عند فقدها؟ لماذا يبكي الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصباه؟ لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا ، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟ كل يبكي ماضيه، ويحن إليه؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضياً ؟ ) . فالقرب من الله هو سر السعادة، وأقصر طريق للوصول إليها على عكس البعد عنه. قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى". فالقرب من الله راحة وسكينة، ومحصلةُ البعد عنه ضنك وأرواحٌ سقيمة وتذكر دائمًا أنك تستحق السعادة، وأن الله ما خلقك ليعذبك في الحياة، وأن الصعب الذي يعترض طريقك يكون كبوصلة نجاح تهتدي بها للوصول إلى ما تنشد. فابحث عن السعادة في كل درب فبذورها مفرَّقة، وبعض أبوابها مغلقة تحتاج منك لطرقها بشغف وحب. فكن سعيدًا وابتسم، واترك الرضى على محيّاكَ يرتسم. فلا سبيل إلى السعادة إلا بطاعة الله، ومن أكثر من الأعمال الصالحة واجتنب الذنوب والخطايا عاش سعيداً وكان من ربه قريباً، قال سبحانه : " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " قال ابن كثير : " الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت" . فل نسعى إلى إيجاد طرق السعادة لأنها جوهر الحياة ولنبحث عنها لنسعد أنفسنا وغيرنا في الدارين.