✒ حدّث بياناتك، ولا تكن إصدارًا قديمًا. يحرص كثير من الناس على تحديث أجهزتهم وترقيتها تبعًا لآخر إصدار، وذلك من باب التطوير والتجديد، وهذا الأمر محمود بشكل عام، ولا يعاب على أحد أن يواكب التطور فيما يرتقي به وبمجتمعه، لكن الذي يعاب هو أن يبقى أحدهم على فكره المستغلق، ونظرته الجاهلية لكثير من أمور الحياة، مع حرصه على التجديد التقني لما يمتلك من أجهزة وهذا هو عين التناقض. كيف نجدد جهازًا ولا نجدد عقلًا؟! أيهما أولى بالتجديد و مواكبة العصر؟ وأيهما يتحكم في الآخر؟! القراء الكرام: كثيرون يواكبون التطور لكنهم لا يدركون أبعاد ذلك التطور. التطور تغيير نحو الأفضل، وليس مجرد تغيير للسير مع الركب التائه. الطرق كثيرة، لكن.. أيها يوصل للهدف؟ قد يكون الطريق الموصل للهدف هو الطريق الطويل وليس المختصر، وقد بكون الطريق المليء بالمخاطر وليس الطريق السهل. العقبات أحيانًا تكون لتقوية سالك الطريق وليس لصده وإبعاده. والإنسان في الأصل لا ينتقي إلا الأشياء الأصيلة، مهما اعتراها من عقبات. يقول المتنبي: إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ.. فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ.. قال العكبري في شرح البيت: الغريب: المغامرة الدخول في المهالك. والغمرات: الشدائد. والمروم:المطلوب. المعنى،يقول: إذا طلبت أمراً شريفاً فلا تقنع بما دون أعلاه، ولا ترضى بالدون) هنا أيها القراء يكون الفرق في طلب التغيير وغيره، فطلب معالي الأمور قد لا يستطيعه أي أحد، وقد يقصُر الطموح لدى البعض، فلا تراه إلا مكتفيًا بأبسط الأمور أو تقليد البعض في أغلب الأشياء دون حاجة لها، وهذا ينطبق عليه: وما أنا إلا من غُزَيَّةَ إن غوَتْ ،،، غويتُ وإن ترشُدْ غزيةُ أرشدِ ،،، هل تصورنا تلك الحال مابين غواية ورشد! قد لا تكون القضية الكبرى هنا؛ فطبيعة البشر بين خطأ وصواب، إنما الأمر أوسع من ذلك، وما نخشاه هو أيهما يغلب؟ ومتى يغلب؟ نحتاج إلى التجديد في جميع جوانب الحياة، لكن هناك أمر بالغ الأهمية، نسعى جميعًا أن نثبت عليه ولا نغيره، تأملوا معي ما رواه أنس بن مالك-رضي الله عنه-: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ فقلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا ؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ) أخيرًا: مالم تواكب التطور وفق منهج الله، سيأتي اليوم الذي تشعر فيه بالغربة من أقرب الناس لك، حينها ينطبق عليك قول الشاعر : إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهمُ وخلفت في قرن فأنت غريب.