✒ على مشارف غروب الشمس ومع رائحة قهوة المساء ومن بين حكايا الماضي وأحاديث الحكماء لم أنسى القصة التي حكاها والدي، تأملتها طويلاً وسطرتها هنا لعلها توصل هدفًا تمنيته يصل منذ زمن. قبل ربع قرن من الزمن وفي بيت طيني يقع منزويًا في حي وسط الرياض التي كانت أشبه بقرية صغيرة بيوتها طينية وأهلها كأسرة واحدة يجتمعون على رغيف واحد يسد جوعهم ويبقى جزءاً منه ليوم الغد. قرية يعمها الهدوء بعد صلاة العشاء وتدب فيها الحياة مع صوت آذان الفجر بتراتيل نجدية (الله أكبر الله أكبر) رجل البيت المنزوي كان يحث أهل الحي ليكونوا على قلب رجل واحد في أفراحهم وأتراحهم، ويُصلح مشاداتهم حين اجتماعهم على التلفاز لمتابعة كرة القدم، أما عن توفير متطلبات ابنائه فكان يكد صباحًا ومساءًا رغم شضف العيش وصعوبة العمل.. لم يكن ذلك هدفه الوحيد بل وضع نصب عينيه تربيتهم تربية صالحة لما سيكون خلفها من مستقبل آمن.. ذات مساء أشعل سيجارته بعيدًا عن المارة وهو مجاهدًا نفسه ومخبرًا ذاته أنها ستكون المرة الأخيرة.. دخل ابنه ذو 6 أعوام وأخذ قشة ملقاة على الأرض وبدأ يقلد والده.. أخذ الأب سيجارته ورماها بعيدًا وهو يفكر كيف له أن ينهى ابنه ويخبره أنه خطأ وهو يفعل؟! لا تنهى عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم عم الهدوء ونام الجميع إلا ذلك الأب الذي استشعر مسؤولية التربية وعظم الأمانة.. يتقلب يمنة ويسرة ويعاهد الله على أن يغير ماحدث.. وبالفعل كانت تلك الليلة الأخيرة.. ذلك الأب هو والدي وذلك الصغير هو أخي الذي تجاوز الخمسون عامًا ولم يمسك في حياته شيئًا سوى تلك القشة التي أخذها وهو ابن السادسة.. قال تعالى ( إنّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) اجعل تغيرك صادقًا تجد العون من الله فإذا كان عون الله للعبد حل التيسير و التسهيل.. ووُفق العبد للتغيير : إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده* كن قدوة صالحة فالتربية بالقدوة ليس بالقوة، المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يعمل بصمت فيصل أثر عمله إلى مشارق الأرض ومغاربها.. اعزم الآن وغير ما ظننته لن يتغير فبعون الله سيتغير..