✒ «لو كانت الكتابة جريمة لكنت في السجن، لا يمكن ألّا أكتب، فالكتابة قهرية، هي لا تجعلك تشعر بالرضا عن نفسك وحسب، بل تشعرك بالرضا عن كل شي». بهذا التدفّق المُلهم ابتدأ ديفيد بالداتشي إجابته على سؤال: لماذا أكتب ؟! إن البحث عن الرضا والوصول إليه هو أساس ترحال الإنسان وكدّه وتعبه في هذه الحياة، فهل من الممكن أن تكون الكتابة أحد السبل الموصلة إليه ..؟، أم هي المبالغة التي يتشبّثُ بها أهل كل فن ومهنة ؟ سأحاول في هذه السطور تبيان بعضٍ من فوائد الكتابة على النفس، وأقصد بها الكتابة الحرة، وهي ذلك النوع من الكتابة المنسابة التي لاتحتاج لأُطرٍ أو دليل إجرائي تسير عليه، هي صوت الذات المقروء، أو هي ذاك الصوت الدفين في غياهب النفس "عقلاً وعاطفةً" والذي كتب الله تعالى له الظهور على شكل حروفٍ مرصوفة، إنها سيلان المحبرة دون استحثاثٍ لها أو نداء، إنها الحرف الغائر في كوامن النفس قد خرج بنور المحبرة على الصفحات . للكتابة فن ولها طقوس وصروف، وللكتّابِ معها حكايات وحكايات، هي ملجأهم عند كل معضلة، عند خفوت صوت الحق تظهره الحروف، حين تخور العزائم تستنهضها الحروف، عند ورود إشكالات تستجيبها الحروف، عندما تحتاج النفس للبوح تقترب المحبرة . تلك هي كتابتنا الحرة، هي الصدق حينًا وهي الخيال حينا، تأتينا استجابة لنداء النفس وتلبية لرغبتها، نسامر القراطيس ونبيت حائكين للحروف، فنعالج ملمّاتنا ونشفي بعض غليلنا، تهدأ ثورتنا عند الشامة المُزينة لأخر سطر ."-وأقصد بالشامة النقطة التي يصنعها العربي في خاتمة مقالهِ إشعاراً بالانتهاء-، فتهدأ عواصف الفكر الهائجة مُشكّلة سحائبها الممطرة على خصيبِ الورق . وجدنا في الكتابة ملاذًا من وحشة الزمن وغربته، وسلوةً تعيد ابتسامةً سالفة، وندعوا الله الانتصار دوماً على محابرنا فهي حين يشتد الوطيس معها ترغمك على تولية الأدبار علّك تعود في الإبكار مُعدًّا القوة ما استطعت من لدن عزيزٍ غفار، فاللهم فتوح الصالحين المخلَصين . وما توفيقي إلا بالله تعالى . مرجع مقولة ديفيد: كتاب لماذا نكتب؟، ميرديث ماران، الدار العربية للعلوم ناشرون