✒ بعد الصلاة على الجنازة في بعض المدن والمحافظات في المملكة يقال [ العزاء في المقبرة فقط ] لهذا أحببت أناقش هذا من الناحية الشرعية فاقول : إن الدعاء للميت وتعزية اقربائه وأهله سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث كثيرة ولم يحدد الشرع للعزاء وقتاًولا مكانا تجوز فيه التعزية أو تمنع0!! ومن حدد مكانا أوزمانا ففضّله على غيره فعليه الدليل0 نقل عن الامام احمد بن حنبل أنه : كره العزاء عند القبر 0 بل إن الصلاة على القبر لم يُحدد لها وقت لا تتجاوزه، لعموم حديث ابن عباس في الصحيحين( أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على قبرٍ بعد مادفن فكبر عليه أربعا) ولم تعلم المدة بين دفنه وصلاتهعليه وتوفي البراء بن معرور الانصاري بالمدينة قبل الهجرة بشهر فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلى على قبره 0 وحديث ابي هريرة المتفق عليه أيضا -في وفاة المرأة التي كانت تقم المسجد فقال صلى الله عليه وسلم : ألا آذنتموني دلوني على قبرها فدلّوه فصلى عليها0 هل للتعزية وقت محدد؟: تعزية أولياء الميت هي دعاء ومواساة، وهي حقُ المسلم على أخيه المسلم فيها الأجر العظيم كما في حديث عبد الله بن مسعود عند الترمذي وابن ماجة ( من عزّى مصاباً فله مثل أجره ) و حديث عمرو بن حزم عن ابيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مؤمن يعزّي أخاه في مصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامه) وحدد جمهور الفقهاء إن مدة العزاء ثلاثة أيام ، لحديث أم عطية في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تحد إمرأة على ميت فوق ثلاث ليال الا على زوج أربعة أشهر وعشرا) وهذاعمل بالاستحسان على طريقة الأصوليين لمن يقول به حيث يعتبر الجلوس للعزاء هذه الايام كالإحداد على غير الزوج -وإن كان لا يجتنب فيه ما تجتنب المرأة المحادة على زوجها0 وإذا جاز للمرأة فعله ثلاثة أيام جاز للرجل من باب أولى0 ومع هذه الأدلة الصحيحة والصريحة كيف يُفرط بهذا الأجر العظيم والثواب الجزيل ويمنع الميتُ وأقاربه منه إذا لم يحضروا أو يشهدوا الدفن بالمقبرة0!؟ ذكر ابن قدامة في (المغني) أن الامام أحمد قال " أكره التعزية عند القبر الا لمن لم يعزِ قبله0وسكت عن وقت التعزية قبل الدفن أو بعدها لأنه لم يبلغه فيها- أثرٌ وهو رحمه الله وقاف عند الآثار" 0 حكم الجلوس للعزاء: جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "لما جاء خبر قتل زيدابن حارثة وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم جلس النبي صلى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحُزن-وأنا أنظر من شق الباب- فأتاه رجل فقال إن نساء جعفر وذكر بكائهن- فأمره أن ينهاهن" وبوّب البخاري في صحيحه على حديث عائشة باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن ) وتبويب البخاري هذايدل على ترجيحه الجلوس للعزاء كما عادته في تراجمه0 وذكر الحافظ بن حجر من فوائد الحديث :"جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار"كما ذكرها (العيني) أيضا في شرحه0 وجاء في روايةلأبي داود :"أن جلوسه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد" وهذا أدل وأوضح على مشروعية الجلوس للعزاء0 ولم اطلع على قولٍ لأحد من السلف أو الخلف خصه بالمقبرة0! كما لا أعرف أحداً من العلماء قال بمنع الجلوس لتلقي العزاء غير بعض الشافعية والحنابلة نصوا على الكراهة فقط -كما في ( المغني ) لابن قدامة و( المجموع شرح المهذب ) للنووي 0وكراهتهم تلك ليست لذات الجلوس وانما لما قد يتعلق به من إنقطاع أقرباء الميت عن أشغالهم اليومية او ما قد يلحقهم من تعب ومشقة في خدمة من جاء يعزيهم 00 وإذا كان الجلوس لاستقبال المعزين في أصله مشروعا كما في حديث عائشة السّابق فلا يمنع الجلوس من أجل ما لحق او يلحق به من مخالفة للسنة كأن يصنع أهل الميت الطعام للمعزين او ينقطعوا بالجلوس عن طلب معاشهم وأرزاقهم فهذه المخالفات المحدثة هي التي تمنع فقط متى وجدت لا غير0 اما الجلوس لتقبل العزاء فلوفرض أنه لم يرد بجوازه دليل 0لكان مباحا بالقاعدة الأصولية( الأصل في الأفعال الإباحة مالم يرد دليل الحظر )0وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس عند أبي داوود( ما أحلّه -الله-فهو حلال وما حرّمه فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ) فكيف وقد ثبت جوازه بالدليل وعملُ الناسِ عليه منذ أزمان دون نكير من أهل العلم منهم0! وأخيرا أتسائل: كيف يمنع جلوس المصابين لتقبّل عزاء ودعاء إخوانهم للميت ومواساة لأهله وذويه0!!؟ وكيف يمنع من أجر التعزية من لم يعلم بالجنازة الا بعد دفنها او لم يكن في البلد حين الوفاة0!!؟ وهل هان الميت على أهله فيحدد للعزاء به دقائق محدودة عند قبره0!!؟ ثم مقولة"إن العزاء في المقبرة فقط" أرجو أن تختفي من جنائزنا لأن تخصيصها في المقبرة بدعة أُحدثت اليوم ولم تكن معلومة من قبل كما بينت آنفا0 الخلاصة : ليس هناك دليل شرعي أو أثر عن صحابي او تابعي يخص العزاء بالمقبرة فقط ومنعها بعدالدفن ، وربما يكون بعض ذوي الميت غائبا أو مريضا أو مقعدا..الخ فلا يستطيع الحضور الى المسجد أو المقبرة0!!؟ ودعوى انشغال اهل الميت بصنع طعام للمعزين -فانه لا يجوز -ولو وجد لوجب إنكاره .والسنة أن يقوم باطعامهم. ومن حضرهم- جيرانُهم ومعارفهم لحديث( إصنعوا لآل جعفر طعامافقد أتاهم ما يشغلهم ) وَمِمَّا يشغلهم عنه تقبل المعزين وهو لهم أهم من صنع الطعام0 ولو فرض الانشغال بتحضيرهم ماء للشرب أو القهوة فلن يشغلهم عن تقبل عزاء أو دعاء كماهو معلوم ومشاهد0والله أعلم 0