كل ازهار حديقتك ذبلت، وكل شروق في الحياة غرب، وكل رائحة طيبة في هواك تلاشت، وكل ابتسامة كنت* تراها اختفت، بقي في عالمك ما يضيق صدرك ويخنق أنفاسك، تضطرب وتتخبط ولكن بلا فائدة حتى تسمع من أحدهم يتلو بصوت شجي (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا). صوت يصل الآفاق ويعم المكان ويبعث الطمأنينة في النفس، حتى تذرف عيناك دمعا ويرقص قلبك فرحا تعرف حينها أن كل مصاعب الحياة وقهرها وكدرها وكل سوء تحمله بين طياتها ليس إلا بوابة لعوض جميل ترزقه حين تصبر وتحتسب كل أذى عند الله*، وليس كل صبر يأتي بعوض جميل تتفتح فيه أزهارك من جديد وتشرق فيه الحياة وتتعطر الاجواء بريح المسك والعبير بل ذاك الصبر الجميل الذي لاجزع فيه ولاتذمر ولا يأس ولا كلمات تشاؤم ولا ينهش فيه ظن سيء بالله وحين تبكي من شدة الوجع وقلبك يعتصره الألم تأتي روحك بصبر جميل تجعلك تعانق العاقبة الحسنة وكأنها حقيقة وماذلك إلا من قوة يقين روحك بربها القادر القدير ولن يخذلك الله على صبرك الجميل وظنك الحسن فيريك بركات صنيعك بعوض تنسى فيه مامررت به وما كنت فيه، انظر ليوسف عليه السلام من عسر إلى عسر ومن ضيق البئر إلى وحدة السجن ثم على كرسي العرش عزيز مصر، الصبر الجميل* عاقبته وعوضه أجمل مما تتصور، حين يتغلغل الرضا بقلبك ويتنفسه صدرك فلا يضرك الحال الذي أنت عليه لأنك تعلم أن سرب من الطيور سيحلق فرحا فوقك ويغرد بأهازيج السعادة، وأن الأرض سترتدي ثوب الأنس حين تسير عليها وكأنها تتزين لك وتهيأ لك الطريق* لبوابة صبرك* الجميل بوابتك للعوض الذي ينتظرك بعد طول كرب وشدة حال وتعب روح. بوابة صبر محمد عليه السلام جعلته يدخل مكة من كل أبوابها منتصرا وعزيزا وكريما، وبوابة صبر الغلام الذي دل الملك على كيفية قتله شهادة قوم الملك كلهم بوحدانية الله وهو ماكان يسعى له الغلام، وبوابة صبر أم سليم رضي الله عنها حين اخفت عن زوجها وفاة ابنها رؤية النبي عليه السلام لها في الجنة* تلك الليلة وعوضها ربها بولد ذريته كلهم من حفظة كتاب الله: إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة فافرغ لها صبرا ووسع لها صدراً فإن بوابة صبري وصبرك لا تظن أنها ليست جميلة بل لربما تكون الجمال ذاته وهو بماتتمناه وتريده.. فقط لنجعل صبرنا جميل ولنستغفر على كلمة جزع قلناها في لحظة تعب وألم، لنستغفر ونرقع ثوب صبرنا ليكون صبرا جميلا ثم يفتح الله بوابة الصبر وننسى معها كل غصة أوقفت في حناجرنا الكلمات واذرفت من المقل الدمعات، ننسى ذلك الوجع الذي جعلنا نتقلب على سررنا ولم نذق طعم النوم، ننسى القهر الذي هد كواهلنا واقصم ظهورنا، مع بوابة الصبر سوف ننسى كل لحظات الألم: تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وروعات الأمور تهون فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه وبت أريه الصبر كيف يكون *إشراقه: فروا إلى الله كفتية الكهف ليحرك صخرة البلاء فترى نور يهديك إلى بوابة الصبر الجميل ..