قد يكون التعلّق بالله -عز وجل- لدى البعض منا كبيرًا، وعميقًا فلا يكادون يرفعون هاماتهم عن موضع السجود، ولا تعلم شمائلهم ما أنفقت أيمانهم، وقد تكون ألسنتهم مبللةً بذكر الله على مدار الساعة، لكنهم حين تحل بهم نازلة ما يعتريهم الجزع والضيق والكدر، وتغلب عليهم النقمة على القدر والضيق بالأحداث، وقد يعتادون الجزع حتى يصبح خصلة أصيلة فيهم لا يجلّيها ما يمارسونه من عبادات، ولا ما يتضرّعون به من دعاء، وسبب هذا غالبًا هو اختلال عبادة التسليم والرضا بالقدر، وإساءة الظن بالله -سبحانه وتعالى- فحسن الظن بالله هو بلسم الجراح، وهو الأنس الذي إذا اجتاح الصدر أخرج ما يعتريه من همٍّ وألمٍ، وهو قطرات الشهد التي تزيل مرارة الوجع. ولا يكتمل التسليم والرضا بغير الظن الحسن بالله، لأنه -جل شأنه- عند الظن به، كما وعد وتوعد حين قال: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء"، والتشاؤم وتوقّع السوء الذي كثيرًا ما يقع به المتضجرون الجزعون -غفلةً أو جهلاً- ليس إلاّ سوء أدب مع الله، وسوء ظن به لا يليق بجلاله، ولا يصح لمسلم أن يعتاد عليه، ويتهاون فيه، فهو صفة للمنافقين والمشركين الذين توعدهم -عز وجل- بالعذاب والغضب، قال تعالى: "وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"؛ ولذا يعيش مَن يسيء الظن بالله في كَبَدٍ من الحياة، يجعل الأرض تضيق به بما رحبت، وعلى العكس يعيش مَن يحسن الظن بالله سعيدًا، تتكامل في روحه القيم الإسلامية مهدئة روعه ورباطة جأشه، وإن أصابته المصائب فهو يعلم يقينًا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن المسلم ما يُشاك شوكة إلاّ وكُتب له الأجر، وأن ربه العظيم الكريم لا يأتي إلاَّ بالخير، فيتفاءل به فيجده. عبادة حسن الظن بالله يهجرها الكثيرون، ولو طعموا حلاوتها ما احترقوا لحدث دنيوي، ولتوقعوا الفرج، ولوجدوه قريبًا، قريبًا جدًّا. [email protected] [email protected]