بينت في مقال الأسبوع الماضي طريقة القيادات في اتخاذ القرارات وكيف يمكن أن نستفيد منها في اتخاذ قراراتنا الشخصية في حياتنا كأفراد وكمجموعات صغيرة. فخطوات اتخاذ القرارات بالطرق العلمية ليست حكرا على المديرين التنفيذيين للمنظمات أو من يتولى عملا قياديا أو إشرافيا، بل كل من يتخذ قرارا له الحق في تكييف الطريقة العلمية لاتخاذ القرارات كي تناسبه. جميع الناس بلا استثناء يتخذون قرارات يومية ومصيرية. فالقرارات اليومية دورية ومتكررة مثل شراء مستلزمات يومية أو تسديد فواتير فهذه لا تحتاج إلى جمع بيانات ولا إلى عمق في التفكير كما أن اتخاذها لا تترتب عليه مخاطر عالية. أما القرارات المصيرية فهي التي يتم اتخاذها في حالة عدم التأكد وتتضمن درجة عالية من المخاطرة وهذه هي التي تحتاج إلى خطوات علمية لاتخاذها تشابه الخطوات التي يتبعها مديرو الشركات الأفذاذ التي نريد أن نستفيد منها في حل مشكلاتنا التي تؤرق مضاجعنا. فاتخاذ القرارات لمشكلات مصيرية يحتاج إلى مهارات متطورة وخطوات ينبغي على كل فرد أن يتعلمها لمساعدته على الوصول إلى قرار حصيف ومدروس. ولعلنا نبدأ بالخطوة الأولى وهي تحديد المشكلة. أولى خطوات اتخاذ القرارات المصيرية هي "تحديد المشكلة" فدون أن تكون المشكلة واضحة يصعب المضي قدما في إتمام بقية الخطوات. وقد يطلق على هذه المرحلة "تشخيص المشكلة" فتشخيص المشكلة بطريقة خاطئة يؤدي إلى اتخاذ قرار خاطئ، وبهذا سيكون الحل بالتأكيد خاطئا أيضا إذا لم نبدأ البداية الصحيحة فلن نصل إلى القرار المناسب. ولكن ما المشكلة؟ وما المقصود بتحديد المشكلة؟ يقصد بالمشكلة ظهور حالة غير مرضية تحتاج إلى دراسة من أجل تغييرها، أي إيجاد حل لها من خلال تطبيق منهج علمي. وتحديد المشكلة يشبه إلى حد كبير عمل الميكانيكي عند تتبعه سبب عدم عمل السيارة. فقبل إصلاح العطب "المشكلة" يتم البحث من أجل معرفة سبب المشكلة بالضبط عن طريق التجربة، والتحري، والتأكد الفعلي من جميع الأسباب حتى يعرف الخلل الفعلي وبعدها يقوم بإصلاحه. وهذا بالضبط ما يفعله الطبيب عند فحص المريض، فهناك مؤشرات للمرض تساعد الطبيب على تحديد نوع المرض مثل ارتفاع درجة الحرارة وارتفاع ضغط الدم، ولكن قد تكون هذه المؤشرات غير كافية، لذا نراه يستعين بطلب تحاليل أو أشعة للتأكد من نوعية المرض، وبعدها يصف العلاج بكل ثقة لأن المرض "المشكلة" أصبح واضحا. وعند اتضاح المشكلة ينبغي صياغتها إما بعبارة لفظية تقديرية أو على هيئة سؤال. هذه هي الخطوة الأولى من خطوات اتخاذ القرارات على منهج القياديين الأفذاذ. أما الخطوة الثانية فيطلق عليها جمع البيانات. ويقصد بجمع البيانات استخلاص الحقائق المحيطة بالمشكلة فإذا لم نعرف الحقائق فلن يتسنى لنا أن نصل إلى حل للمشكلة. يقول هربرت هوكس عميد كلية كولمبيا قبل عدة عقود "إن نصف المشكلات التي تسبب القلق للناس منشؤها أنهم يحاولون اتخاذ قرار قبل أن تتوافر لهم المعلومات الكافية التي تتيح لهم اتخاذ قرار ما بشأنها". وأضاف "فعلى سبيل المثال إذا كان لدي مسألة يتحتم علي أن أنهيها في الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء المقبل فإنني مبدئيا لا أحاول قط اتخاذ قرار بشأنها حتى يحين الثلاثاء المقبل، وإلى أن يحين ذلك الوقت أركز ذهني في استخلاص الحقائق المحيطة بها ولست أقلق أو أضطرب أو أقضي الليل ساهدا وإنما كل ما أفعله هو أن أركز ذهني في استخلاص الحقائق المحيطة بالمسألة، فإذا حان يوم الثلاثاء كانت الحقائق جاهزة في ذهني وهذا أكبر عون لي على إنهائها واتخاذ قرار حاسم بشأنها". وقال أيضا "لقد خلصتني هذه الطريقة من القلق كليا وفي استطاعتي أن أقول إن حياتي أصبحت خالية تماما من القلق فقد وجدت أن الفرد إذا بذل شيئا من وقته للحصول على الحقائق المجردة فإن قلقه غالبا ما يتبخر في ضوء المعرفة التي يجنيها" انتهى كلام هوكس. عند جمع البيانات والحقائق المحيطة بالمشكلة تظهر الخطوة الثالثة وهي تحديد البدائل. أي أن البحث في الحقائق المحيطة بالمشكلة يظهر أمام الفرد عدة قرارات من الممكن أن تكون جميعها حلا لمشكلته، وكلما زاد البحث والتقصي والغور في الحقائق الدامغة اتضحت البدائل والقرارات أكثر فأكثر. بطبيعة الحال لا يستطيع الفرد أن يتخذ كل هذه القرارات بل يختار قرارا واحدا أي بديلا واحدا من هذه البدائل ولكن تتم عملية الاختيار بعد دراسة هذه البدائل بعناية لمعرفة جدوى تطبيق كل واحد منها من حيث نقاط القوة ونقاط الضعف حتى يصل الفرد إلى أن يتخذ قرارا واحدا هو أقرب إلى المنطق والحكمة ويهمل البقية. هذا عرض نظري للخطوات العلمية لاتخاذ القرارات التي يستخدمها المديرون التنفيذيون في الشركات والمنظمات نريد أن نستفيد منها في حياتنا كأفراد ولكي نفهم بشكل أفضل نحتاج إلى مثال تطبيقي سأعرضه في مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله.