عندما نتكلم عن الفساد والذي أصبح حديث الساعة،لزم علينا التعريج عن الفساد تعريفاً و شرحاً و التعرف لأنواعه و أنواع الناس منه و ميزانه في الشرع القويم والذي قسم الفساد بشكل دقيق و بين عقوبة أهله ومن كان مساندا له. تعريف الفساد: 1- تعريفه لغة:-مصدر فسد يفسد فسادا وهو ضد الصلاح،قال الليث: الفساد: نقيض الصلاح، والفعل فسد يفسد فسادا، قلت ولغة أخرى: فسد فسودا، واستفسد السلطان قائده إذا أساء إليه حتى استعصى عليه ، وقيل الفساد (في الأرض) مأخوذ من فسد اللحم ،يقول ابن جرير الطبري في معنى قوله تعالى: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (البقرة/ 205) اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي أضافه الله- عز وجل- إلي هذا المنافق: فقال: تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق، وإخافته السبيل كما حدث من الأخنس بن شريق. وقال بعضهم: بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين ،وقد يدخل في الإفساد جميع المعاصي، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض، فلم يخصص الله وصفه ببعض معاني الإفساد دون بعض.(منقول) وقال القرطبي في قوله تعالى: والله لا يحب الفساد قال العباس بن الفضيل: الفساد هو الخراب. وقال سعيد بن المسيب: قطع الدراهم من الفساد في الأرض. قلت: والآية بعمومها تضم كل فساد في أرض أو مال أو دين، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قيل معنى لا يحب الفساد: أي لا يحبه من أهل الصلاح، أو لا يحبه دينا، ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به، والله أعلم ، والفساد في قوله تعالى للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا (القصص/ 83) فمعناه أخذ المال ظلما بغير حق ،أما قوله تعالى:ظهر الفساد في البر والبحر (الروم/ 41) الفساد هنا الجدب في البر، والقحط في البحر. قال ابن منظور: وفسد يفسد ويفسد وفسد فسادا و فسودا فهو فاسد و فسيد فيهما، ولا يقال أنفسد وأفسدته أنا، وقوله تعالى: ويسعون في الأرض فسادا (المائدة/ 33) نصب فسادا لأنه مفعول له، أراد يسعون في الأرض للفساد وتفاسد القوم: تدابروا وقطعوا الأرحام والمفسدة:- خلاف المصلحة والاستفساد:- خلاف الاستصلاح، وقالوا هذا الأمر مفسدة لكذا:- أي فيه فساد، قال الشاعر:- إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للعقل أي مفسده.(منقول) 2-تعريفه اصطلاحا.:- قال الراغب: الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عليه أو كثيرا، ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة. وقال المناوي الفساد:- هو انتقاض صورة الشيء ، وفساد (البيوع) عند الفقهاء ما كان مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه، وهو يرادف البطلان عند الشافعية، وضده الصحة، ويشكل قسما قائما برأسه عند الأحناف:- فالشيء عندهم إما صحيح، وإما باطل، وإما فاسد وقال ابن الجوزي والفساد:- تغير الشيء عما كان عليه من الصلاح، وقد يقال في الشيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال فيه إذا بطل وزال ويذكر الفساد في الدين كما يذكر في الذات فتارة يكون بالعصيان، وتارة بالكفر، ويقال في الأقوال إنها فاسدة إذا كانت غير منتظمة، وفي الأفعال إذا لم يعتد بها، قال الكفوي الإفساد:- هو جعل الشيء فاسدا خارجا عما ينبغي أن يكون عليه وعن كونه منتفعا به، وهو في الحقيقة:- إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح.(منقول) ومما ذكر من معاني الفساد في القرآن والسنة المشرفة يتضح لنا أن الفساد جاء بعدة معاني نذكرها باختصار(العصيان- الهلاك-القتل-الظلم-التخريب-التدمير-القحط-السحر) وهذا بدورة يبين لنا أن الفساد لا يقتصر على الفساد المالي أو الإداري،بل يتعداه لمعنى شامل و واسع فهو:-كل ما يهدد الضروريات الخمس والتي كفلتها الديانات السماوية(الدين-العقل-العرض-المال-والنفس). فالإفساد في الأرض هو بقطع الطريق وإخافة المسافرين والآمنين وترويعهم بدون وجه حق وسفك الدماء المعصومة وقطع الأرحام وارتكاب المعاصي والآثام. ولو تتبعنا خير الكتب وهو القرآن الكريم لكلمة(الفساد) لتجد أن أكثر من ألصقت بهم هذه الكلمة هم خير البشر وهم الأنبياء رضوان الله عليهم أجمعين،فنوح عليه السلام أتهم وسخرا منه قومه،وموسى عليه السلام أتهم بالإفساد والقتل ومحمد صلى الله عليه وسلم أتهم بالسحر و عيسى بن مريم ثم تلاهم في الإيذاء بهذه الكلمة العلماء والصالحون ومنهم الإمام أحمد بن حنبل و ابن تيمية و كثيرا لا يتسع المجال لذكرهم. وقد استخدمها الطواغيت على مر الأزمان لإقصاء الأنبياء وأهل العلم والإصلاح وألصقوا بهم الإفساد لأغراض دنيوية و خوفا على عروشهم أو طمعا في استعباد العباد و استحلال ما حرم الله وتولى الحكم وسفك الدماء وانتهاك الأعراض واستباحة ما حرم الله. والأحداث تكرر ولكن بصيغ جديدة ففي الأحكام العسكرية هناك ما يعرف بتهم جديدة(الخيانة العظمى،الانقلاب،التأمر) وحدث ولا حرج على القانون المدني واستحداث الأنظمة من الحاكم التي تحدد الفساد بمنظوره الشخصي ليتصيد و يقصي معارضوه و أخصامه والإيقاع بهم في هذا المسمى الكبير...والأمثلة على ذلك كثيرة تتجدد كل يوم أمامنا والله المستعان. وعندما يكثر الفساد كما نسمع ونشاهد من حولنا يتبين للجميع بأننا في أخر الزمان وذلك مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم(بأن أول ما يرفع عن هذه الأمة الأمانة).فإذا ضيعت الأمانة فأرتقب الساعة...وها نحن نرى كل يوم أسماء كنا نظن بهم خيرا تتهاوى بتهم الفساد المالي، ناهيك عن الفساد الإداري والتي تعج به وزاراتنا و إداراتنا والله المستعان. مرداس 2020