فما من مواطن إلا ويرجو أن تكون معيشته هنيئة، وأموره يسيرة، وحياته مريحة، وهو الذي يتطلع دائماً إلى مشاريع حكومية؛ تلبي احتياجاته الأساسية، وتسهم في تحقيق مطالبه المعيشية. ومعلوم أن لكل إدارة حكومية مشاريع معتمدة في كل ميزانية سنوية؛ إلا أنك تشاهد ما يسوؤك فيها، حيث لا تقام بعضها، أو يتم تنفيذها ثم تظهر فيها بعد مدة عيوباً كبيرة، وأخطاء جسيمة ، فكم من مشروع جرى عمله، ثم بعد عدة أشهر من استخدامه؛ هبطت أرضياته، وتشققت جدرانه، وظهر عواره، وانكشفت سوءاته. وهاهي شوارعنا كحالها قبل نصف قرن؛ تحفر وتدفن ، ثم تحفر وتدفن (عشرات المرات )؛ دون أي تنسيق، أو تعاون بين الجهات الخدمية. كذلك فإن لدينا خاصية مميزة في جميع مشاريعنا الحكومية؛ وهي التعثر الشديد في التنفيذ، والتأخر الكبير في التسليم؛ على الرغم من المبالغ الخيالية المرصودة ، والقوى الإشرافية القائمة عليها. خذ مثلاً: مشروع الإسكان؛ ذلك المشروع الضخم؛ الذي اعتمدت له منذ سنوات المبالغ المالية اللازمة ؛ ومع ذلك لم يسجل نسبة إنجاز، ولو كانت ضئيلة، فمن المسؤول ، ومن هو الملوم؟! والحق أن أغلب مشاريعنا التي نسمع عنها؛ لا يتولى أمرها إلا مقاولي الباطن؛ الذين يتحملونها عن المقاول الكبير، وهم الذين ليس لديه مقدرة مالية، ولا مهارة فنية في تنفيذ المشاريع، بل لا يملكون سوى عمالة رخيصة، ومواد رديئة، وقد قيل صدقاً؛ المقاول الأجنبي أكثر أمانة وضماناً ، وجودة ونجاحاً، وقوة واتقاناً. إن مشكلة المشاريع القائمة لدينا؛ هي أنك لا تجد من إداراتها المراقبة الدائمة واللصيقة لسير العمل فيها، ولا المحاسبة الدقيقة لمقاوليها، صحيح أن لدينا نظاماً رائعاً مكتوباً لذلك؛ لكنه لا يطبق على المتعثر المهمل، ولا الغشاش المخادع؛ والسبب أن في إداراتنا موظف مرتشٍ، وقيادي فاسد؛ يستغلان منافذ النظام، ويستثمران لمصلحتهما نقاط الضعف فيه. وحتى تنجح مشاريعنا، وتستقيم أمورنا؛ فإننا بحاجة دائمة إلى تعزيز الرقابة الذاتية في نفوسنا، والخوف المستمر من علام الغيوب، قال تعالى: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)، وقد غلّ كل من خان في شيء خفية. ولعل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) ؛ تكون قادرة حقاً؛ في القيام بدورها على محاربة الفساد المالي ، ومعالجة الخلل الإداري، حفظاً للمال العام، وحماية لمرافق البلاد وممتلكاتها العامة. د.عبدالله سافر الغامدي جده.