ابتدأ أخي فيصل الجهني الكاتب في صحيفة المدينة هجومه على الشيخ الدكتور محمد العريفي وعلى جموع الدعاة إلى الله تعالى من عنوان المقال الذي وسمه ب ( الشيخ العريفي .. الحقيقة الغائبة ) وأودعه صحيفة ( المدينة ) غرة ربيع الأول 1433 ه .. ولا أدري ما سر هذا ( التواصي ) بهذا العَلَم في صحافتنا المحلية ؟ ! . في السطر الأول من المقال وصف الكاتب الخطابات الدينية بأنها ( خطابات دوغمائية ) وأن الحوار معها ( مفقود تماما ) وأن مصيره ( العبث والفناء ) وافترض في الدكتور محمد العريفي أن يكون ( متلبسا بالمنهج العلمي عند معالجة القضايا والحكم على الأفكار بحكم أنه أستاذ جامعي ) وحاول جاهدا البرهنة على أخطاء الدكتور محمد العريفي كما وصفها ، في الوقت الذي نرى فيه فريقا آخر من الصحفيين يصفون الدعاة إلى الله تعالى بأنهم ( شعب الله المختار ) وهنا تبلغ الحيرة منتهاها من فرقاء الصحافة : هل الدعاة بشر يصيبون ويخطئون أم ملائكة يمشون في الأرض مطمئنين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ؟! . ولا أكتمكم سرا أني قد فرحت - والله - حين قرأت وعد الأخ فيصل بأن فكرته من المقال ستكون ( مقاربة منصفة تنفذ حواراً مقنعا بينه وبين والقراء ) وأنا واحد منهم .. مع أني تساءلت قبل أن أسترسل في القراءة : ما دام أن الحوار مع ( الدوغمائيين ) مفقود تماماً ، فلم يتجشم الأستاذ فيصل عناء ( مقاربة منصفة تنفذ حوارا مقنعا ) لكني قلت : ( خلينا نشوف ) فلعل الله يجري الحق على لسانه . بعد انتهائي من قراءة المقال خلصت إلى أن محصلة تلك المثاليات - التي لم تسلم من التناقض الصارخ – كانت كلها مبررات للهجوم على الدكتور محمد العريفي ومحاولة لإسقاطه ليس إلا .. ومظاهر هذه المحصلة - في المقال - ظاهرة للعيان . ولي على مقال الأخ فيصل عدد من الملاحظات أرجو أن يتسع لها صدره ، فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . الأولى : أخي فيصل : كيف لنا أن نقبل ما انتهى إليه مقالك كنتائج متوقعة بنيتها على مقدمات متحاملة .. كقولك ( الحقيقة الغائبة ) ( الخطابات الدوغمائية ) ( خطابه المتشنج ) ( مصداقية الشيخ مع غير بني جلدته ) ( أدوات فكرية ومناهج بحثية لم ينشغل بها خطاب الشيخ ) ( خطاب العريفي بعيد عن حمى الفكر الأكاديمي الرصين ) ( العريفي لا يفرق بين النرجسية والرومانسية ) وإذا ودك تزودها شوي وتقول : الكلاسيكية والسريالية والخنفشارية فلا حرج " تراها كلها بيع هروج " ما دامت لم تصنع لنا حضارة ولم تبنِ لنا كيانا .. معليش نواصل مقدمات الجهني .. ( الدعاة مجتمع ملائكي وهم شعب الله المختار ) ( الشيخ يجهل مرحلة كبيرة من الاتجاهات الفكرية الثقافية ) ( مفاهيم أساسية في الوعي الفكري الأكاديمي الشيخ لا يعرفها على الإطلاق ) ول .. ول .. ول .. تبغي تصل لإيش يا فيصل ؟؟؟!!! أهذه هي اللغة الحوارية المنصفة الساعية إلى التقارب يا رجل ؟! . يا أستاذ فيصل : العمل العلمي المنهجي تؤسس فيه النتائج على المقدمات ، سواء كان هذا العمل ثقافياً أو أكاديمياً أو نرجسياً أو رومانسياً أو حتى بِدْوانسياً - وهذه لغة علمية منطقية ، العبرة فيها بالمنطق العلمي في زمن الربيع العقلي .. فهل تتوقع أن مقدماتك تلك قادتنا لنتائج حوارية متقاربة منصفة أقنعتنا بما ذكرته في المقال ؟ لا أعتقد ذلك . الثانية : الفكرة ملك لصاحبها ما دامت تتردد في صدره فإذا نفثها أصبحت حقا مشاعا قابلا للنقد والتحليل ، في زمن لم تعد عقول القراء مصنوعة في مرحلة ما قبل الربيع العربي ، فقد انتهت - بحمد الله - تلك المرحلة ، وأتت بعدها مرحلة ( ربيع عقلي يستعصي على الابتلاع الإعلامي ) مهما كان متعاطيه أمكن في منبره وألحن في حجته .. وهو ما جعلنا - ولله الحمد – غصة في بلعوم ثقافة صحفية حاولت تسليك أطروحاتها الفكرية والاجتماعية بالمفردات النرجسية والرومانسية والدوغمائية فلم تفلح . الثالثة : طالب الأستاذ فيصل الدعاة إلى الله تعالى أن يتصفوا بالحكمة والموعظة الحسنة وهذا حق لا مرية فيه ، لكننا في المقابل لا نعتقد العصمة للداعية فتلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ، وإذا أخذنا فضيلة الدكتور محمد العريفي أنموذجا وقارنا بين أقواله وأفعاله عبر مسيرته الدعوية الطويلة محليا وعالميا حكمنا حكما منصفا بأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث .. هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحدا .. وهذه جمهرة من المسلمين في الداخل والخارج سمعوا كلامه وعايشوا أفعاله ، والحكم من أفواههم ، ولك – أيها الكاتب القدير - أن تقترح على صحيفة المدينة إجراء استفتاء عالمي حول دعوة الدكتور محمد العريفي وأثره في الداخل والخارج وستقف على النتيجة بنفسك . الرابعة : يستهجن المنهج العلمي مسالك ( التعظية ) في معالجة القضايا ، وقد ذم الله تعالى الذين جعلوا القرآن ( عظين ) لأنهم لا يرون من الحقيقة إلا طرفا واحدا يقبلونها في موطن ويعرضون عنها في موطن آخر ، ثم يصدرون الأحكام بلا زمام ولا خطام . تأمل – يا رعاك الله – الذين ينادون باللين في الدعوة إلى الله - ويجعلون من قوله تعالى عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام في مخاطبة فرعون :" فقولا له قولا لينا ... " - مسلكا واحدا في العمل الدعوي ، كيف أغفلوا من الحقيقة الدعوية عشرات النصوص في الكتاب والسنة التي تأمر بالشدة على المخالف في مواطنها المناسبة ، خذ مثالا واحدا فقط : موسى عليه الصلاة والسلام الذي أمره الله تعالى أن يلين لفرعون هو نفسه الذي قال لفرعون في موطن آخر وبأمر من الله تعالى :" وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " فهل هذا من اللين في القول يا أستاذ فيصل ؟ ! الجواب : لا ، خاصة لشخصية مثل شخصية فرعون !! إذن ، النتيجة أن الموقف الدعوي بمضامينه اللفظية والفكرية يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والظروف والمناسبات ، وهو ما غاب عن ذهنك أثناء نصحك للدعاة ، ولا أدري أين تضع هذا من الدعوة إلى تفعيل المناهج العلمية والدراسات البحثية والأفكار الأكاديمية الرصينة التي شبَّعت بها مقالك . وعليه ، فإن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة تكون لشخص أو لأقوام يطمع في دلالتهم على الخير ، وقد صدهم عنه جهلهم أو تضليلهم أو تبعيتهم لغيرهم ، أو ما إلى ذلك .. لكن حين يستهدف الأعداء الحاقدون ديننا الإسلامي والدعوة إليه ويقفون حجر عثرة في طريقه فقد أوجب الله جهادهم :" يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ... " وقل مثل ذلك حين يخرج علينا فريق من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، نوصحوا وذُكِّروا وخُوفوا بالله فلم يزدهم ذلك إلا فرارا ، ولم يقفوا عن مجرد العصيان الفردي بل تواصوا به ، وأقسموا - تجاه جهود العلماء والدعاة والمؤسسات الشرعية - ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون ، وأن يجعلوا من كل داعية إلى الخير - يستنكر ما هم عليه من التضليل - هدفاً منصوباً ، وغرضاً مرغوباً ، رافعين شعار ( لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ) شانين على علمائنا ودعاتنا ومؤسساتنا الشرعية هجوماً عنيفا عبر المنابر الإعلامية ، متعاونين على الإثم والعدوان مع العدو الخارجي - علموا أم لو يعلموا – في تضليل العامة وإفساد البلاد والعباد مع سبق الإصرار والترصد . أقول : حين يكون الأمر كذلك فالأمر هنا يختلف ، ولست في هذا المقام أكفر أحدا أو أوزع النفاق على الناس ، لكنني في ذات الوقت أتحدث عن صفات التضليل والمعاداة للخير وأهله وتنفيذ مخططات العدو الخارجي ، وأتحدث عن خريجي مدرسة ( راند ) وأقول : الغلظة مع هؤلاء منهج شرعي أدين الله تعالى به ، إلا إن جاءنا الصحفيون بمنهج علمي بحثي يؤكد على أننا مطالبون أن ( نُربِّت ) على أكتاف المضللين ونقول للواحد منهم : يا حبيبي ! يا عمري ! يا بعد حيي ! عيب يا بابا اللي قاعد تسويه ، فالبينة على المدعي . الخامسة : لا أدري - يا أخي فيصل - كيف هداك عقلك إلى الفصل بين الدين والدنيا ، حين جعلت حديث :" أنتم أعلم بشؤون دنياكم " دليلا على التمييز العنصري بين الدنيا والآخرة ، وأن الخطاب الثقافي خاص بالدنيا والخطاب الديني خاص بالآخرة ، في تقسيمه غريبة ما سمعنا بها في آبائنا الأولين .. طيب ! إذا كنا أعلم بشؤون دنيانا ، ومارسنا هذا العلم بمنطق عقلي بشري متجاوز للخطاب الديني ، ألا ترى هذا يقودنا إلى التسليم بأن البنوك الربوية على حق في تحصيل فوائدها ؟! وأن تجارة المخدرات ذات عوائد مالية هائلة على الفرد والمجتمع ؟! وأن احتكار السلع حتى يتعاظم ثمنها حرية شخصية ؟! وأن عري النساء على الشواطىء الرملية الناعمة إلى جوار الخمور والمراقص الليلية وسائل للجذب السياحي المنعش للاقتصاد المحلي ؟! . كل ذلك - يا فيصل الجهني - من شؤون دنيانا ، فهل نترك الأمر هكذا بلا ضابط ؟ فإن قلت : نعم ، فقد أسأت للعقل والمنطق ، وإن قلت : لا ، قلنا لك : فما الضابط إذن ؟ العقل البشري ؟ أم الوحي الإلهي ؟ فإن قلت : العقل البشري ، قلنا لك : لكل فرد عقل ولكل ثقافة عقل ، وستتضارب العقول في تقديرها للمصالح والمفاسد والحريات والإرادات ، ولن ننتهي .. وإن قلت : ضابط ذلك كله هو الوحي الإلهي عبر خطابه الديني المحكم في القرآن والسنة ؟ ! قلنا لك : لقد نقضت غزلك من بعد قوة أنكاثا ، وأصبحت ( دوغمائيا ) من حيث لا تشعر . إذن لا مبرر للفصل بين الدنيا والآخرة ، عن طريق الاستدلال بحديث " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " بفهم صحفي لم تثبت قدمه في العلم الشرعي ولم يعرف من علم مقاصد الشريعة شيئا ولم يفقه طرق الاستدلال على أصول علمية صحيحة . وعليه ، فلا خطاب - من سميتهم برجال الدين وأئمة المساجد - يشكل بمفرده الوعي الحضاري للأمة ، ولا خطاب من سميتهم بالمثقفين يشكل ذلك ، والصحيح أن الذي يشكل ذلك هو مجموع الخطاب الشامل الواعي الذي يجعل الدنيا مزرعة للآخرة ويحقق فيها مبدأ :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " سواء كان هذا الخطاب شرعيا أو تطبيقيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو فكريا أو ثقافيا أو أدبيا أو تربويا أو إعلاميا أو ما إلى ذلك ... وأن أيّاً من هذه الخطابات حين يصادم نصا شرعيا أو مقصدا من مقاصد الشريعة فهو خطاب منحرف عن مساره الصحيح ، لا يشكل وعيا ولا يصنع حضارة ولا يؤسس ثقافة . ثم ، ألست معي أن حضارة اليوم حضارة عمياء عرجاء لا تتنفس إلا برئة واحدة ولا تسير إلا على قدم واحدة !! أولم تنشر لنا هذه الحضارة الإيدز حين خلت من الضابط الديني في العلاقات الاجتماعية !! أولم تنشر الربا حين خلت من هذا الضابط الديني في إدارة المال !! أولم تنتهك سيادات الشعوب حين خلت من الضابط الديني في العلاقات الدولية !! أولم تسلَّع المرأة حين غاب هذا الضابط في شأن المعرفة المتعلقة بها ودورها الحقيقي في الحياة !! أولم ... أولم ... أولم ... ( تعبت يا فيصل ) وحتى أكون منصفا فإني أقول : أشهد أن الحضارة المادية المعاصرة صنعت لنا المادة ولم تصنع لنا الإنسان وتلك أبرز كوارثها . إن الخطاب الديني إطار عام يدور في فلكه الخطاب الدنيوي يا أستاذ فيصل ، وإلا أسَّسنا لعلمانية ضالة تجعل الدين جزءً من الحياة وتصادر من الوجود توجيها ربانيا يجعل الحياة كلها لله :" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " أي المستسلمين لذلك ، أما أن نقلب الآية إلى : قل إني صلاتي ونسكي ( في الخطاب الفقهي ) لله رب العالمين ، ومحياي ومماتي ( في الخطاب الثقافي ) لإبليس والدنيا ونفسي والهوى ومؤسسة راند ، ف : كيف الخلاص وكلهم أعدائي .. وأعداء وطني وأمتي . السادسة : أكَّدتَ على أن من سميتهم بالمثقفين وذكرت منهم نماذج ( بانورامية مصغرة ) هم الذين صنعوا حضارة المملكة السعودية ، وهذا في ميزان العلم والعقل انفعال صحفي ظاهر لا يملك ذرة من أبجديات التجرد والموضوعية ، في الوقت الذي تطالب فيه الدكتور محمد العريفي بأن يكون خطابه أكاديميا يخضع لأسس التفكير العلمي والمنهجي .. عجبا !! كيف أصبح الجزء كلاً يا فيصل ؟؟!! وكيف صار الخطاب التاريخي الذي وقفت مهمته عند مجرد السرد صانعاً لحضارة مجتمع بحجم المملكة ؟؟!! وكيف بنى نصٌ أدبيٌ حداثيٌ - يجعل الله والشيطان وجهان لعملة واحدة - حضارة مجتمع ؟؟!! صدقني يا فيصل : أن بعض هؤلاء البانوراميين كانوا وما زالوا عبئا على الوطن ! . ولا أدري متى ينتهي العبث بعقولنا حين يقول بعض الصحفيين : إن العلوم النظرية لم تقدم لنا شيئا ، ويطالبون بإقفال تخصصاتها في الجامعات ، ثم ينادون في المنابر الإعلامية بأن العلوم النظرية ( البانوروامية ) صنعت حضارةً مجتمعيةً واعية وأسست كيانا ضخما بحجم المملكة .. تدري ليش هذا التناقض ؟ لأن العلوم النظرية ( في أنظار بعض الصحفيين ) حين تكون شرعية لا تقدم لنا حضارة أبدا ، وحين تكون تاريخية أو أدبية حداثية متجاوزة فهي مصنع الحضارة وعمارة الكون !! يا ويح هذا التناقض . السابعة : حكمت - أخي فيصل - على حضارة العصر العباسي حكماً واحداً بأنه كان عصراً مزدهراً وأرجعت ذلك إلى خطابات المثقفين والفلاسفة والشعراء والكتاب ، وهذا قصور في فهم معنى الثقافة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لم تنظر إلى الكفة الثانية من الميزان التي تشهد بأن ذاك العصر كان به من المنزلقات الفكرية والمنهجية ما فتح به الشرور على الأمة إلى يومنا هذا ، وهل هذه الشروخ العلمية والفكرية والاجتماعية إلا جزء من تلك التجاوزات ( المأمونية ) التي فرضت الانفتاح بقوة الحديد والنار فترجمت الغث والسمين من المناهج والأفكار !! وصادرت حرية الرأي القائمة على الدليل النقلي والعقلي .. وقد ذكَّرْتني – رعاك الله - بقول أحد البانوراميين المعاصرين : ( لا يمكن أن نقبل ثقافة الغرب ما لم نقبل معها ما في رئيِّهم ونجاسات أمعائهم ) . لقد بحثت على لسانك – يا فيصل - عن الخطاب الديني والفقهي في ذاك العصر فلم أجد له أثرا ، مع أنه كان سيد الساحة آنذاك ، بل كان من ثمراته ما تناقلته الأمة خلفاً عن سلف : ( أبو بكر يوم الفتنة وأحمد بن حنبل يوم المحنة ) وهذه والله يا فيصل قمة ( التعظية ) ( والعور ) ( والعرج ) الذي أربأ بك أن تنتهجه في معالجة المشكلة وأنت الذي ما تفتأ تتحدث عن مناهج البحث في التعاطي من القضايا والمشكلات .. وتذكر أن أي خطاب منفتح على أي حضارة - هندية كانت أو فارسية نرجسية كانت أو رومانسية - من غير ضابط ديني هو خطاب تائه لا قيمة له في ميزان الله . الثامنة : ميَّعت خطاب الأستاذ الجامعي - يا فيصل – حتى جعلته خطابا ( تَنْبَلَيّاً ) يسيره الهوى الصحفي بعد أن جردتَه من هويته واعتزازه بعلميته ومنطقيته . الدكتور محمد العريفي – شئنا أم أبينا رضي من رضي وسخط من سخط - أستاذ جامعي وداعية مبرِّز ومربٍ قدير تتنوع خطاباته بحسب المواطن والأحوال التي يلقي فيها دروسه ومحاضراته ، يخاطب كل فئة بلسانها الذي تفهمه ولغتها التي تستوعبها ، في قاعة دراسية أو منبر فضائي أو موقع إلكتروني ، وأنت – يا رعاك الله – طلبت منه خطابا أكاديميا تنتشر في جنباته المفاهيم العلمية والبحثية وأسس التفكير المنطقي بحثا ودراسة !! الله .. الله .. الله .. ايش هذا يا فيصل !! تريد كل هذه الأوصاف في محاضرات للعامة أو لقاءات فضائية يسمعها الرجل والمرأة والكبير والصغير والأمي والمتعلم والعربي والعجمي .. أم أنه الهجوم على الدكتور محمد باستخدام هذه المطالب المتكلفة في مخاطبة العوام . أما طلبك من الشيخ أن يتماهى مع الأطياف الحوارية فتلك ثالثة الأثافي لأننا سنقول لك : يا فيصل الجهني وبلغة علمية منهجية بحثية ( معليش لأنك تطالب بذلك في خطابات العريفي فسنطالبك بها في كتاباتك الصحفية ) فنقول لك : حدد بكل دقة مرادك من ( التماهي ) في تعريف لغوي واصطلاحي وإجرائي قابل للقياس والتقويم محددا مظاهره ومعاييره وضوابطه وميادينه ومعوقاته .. وإلا فلِمَ تلقي بالمصطلحات العائمة العامة جزافاً ، وكيف تستخدم المفردات المنحوتة من غير لغتك فكراً ومعنىً ، كقولك ( الدوغمائي ) لتنفر بها العامة من عقيدة المسلم التي هي الوقود المحرك لأقواله وأفعاله ، ومن مصادرها اليقينية يستمد الحقيقة المطلقة عن الله والكون والإنسان والحياة والمصير ، ثم تكتبها – على أعجميتها - بالعربية ، وكأننا أمام مبتدىء في اللغة الإنجليزية يريد أن يتعلم كتابة ( صباح الخير ) فكتبها : ( قد مورننق ) وزاد عليها ( دونت فور قت مي بيكوز أيام فري هبي تو سي يو ) . صدقني يا أُخي : لا تماهي ولا يحزنون !! إنما هي فتنة بعض الصحفيين بالعلماء والدعاة والمؤسسات الشرعية مع سبق الإصرار والترصد في محاولة باسئة لترحيل الخطاب الديني عن إطاره الذي يتحرك فيه ليضبط لنا هذا الانفلات الإعلامي ، نعم .. هذا الانفلات الذي يشهد عليه كل منصفٍ لم تتلطخ فطرته بتضليل تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . أخي فيصل : كنت أظن أن ( ابن زلفة ) هو الذي فر من الموت وفي الموت وقع .. وهو عنوان مقال كتبته من قبل في لجينيات ، فإذا مع ابن زلفة ( زَلَفَاتٌ ) كثيرة يبدو أنها تتلقى من مشكاة واحدة خالية من المنهج العلمي والدراسات البحثية والفكر الأكاديمي الرصين . وأخيرا .. يبدو - يا أستاذ فيصل - أنك قد حصدت من أذهاننا ما زرعه الخطاب الثقافي ( البانورامي ) الذي صنع لنا حضارة راقية ، وعَمَر به كوننا السعودي حين قال : تَسَاءَلَ عن حصينٍ كلُ ركبٍ ... وعند جهينة الخبر اليقينُ فمن يكُ سائلاً عني فعندي ... لصاحبهِ البيانُ المستبينُ جهينةُ معشري وهُمُ ملوكٌ ... إذا طلبوا المعاليَ لم يهونوا تغريدة : ما كنت أنوي الكتابة لولا أنني كنت في الطائرة أتصفح المدينة فأزعجتني ( تماهيات ) أخي فيصل الجهني في مقارباته الحوارية الغائبة في ثنايا المقال الذي كتبه .