الحسد والعين وجهان لعملة خاسرة لاشك أن هناك من الأضرار التي تصيب الناس بالإمكان تلافيها أو الحد من آثارها لاسيما إذا ارتفع منسوب المعرفة وساد الشعور الودي بين الناس تحت مظلة الأخلاق النبيلة وتبوأت القناعة مكانها الطبيعي بكل ما تحمله من آثار إيجابية للفرد والمجتمع وما تحققه من قياس متزن في سياق التفاعل الحسي النبيل في التواصل ومن خلال التعامل، ومن المعلوم أن الأضرار التي تصيب الإنسان تنبع منه بمعنى أنه يتسبب في ذلك بشكل أو بأخر، ومن ضمن هذه الأضرار المهلكة بلا ريب (العين)، والعين حق كما ثبت بالأثر، وهذه الآفة المؤذية تنبع من النفس بمعنى أن لا دليل ماديا يمكن إثباته، فهي تندرج ضمن نطاق الإيحاء النفسي إذ يفضي ضعف الإيمان، إلى بروز هذه التراكمات السلبية المستقرة في النفس لتتحول إلى حمم تؤرق وتقلق من تصيبه آثار هذه النزعة الشيطانية، إن لم تهلكه في ظل الافتقار إلى سور الحماية الحصين واهتزاز الثقة وغياب القناعة أو بالأحرى انخفاض مستوى والرضا مما يؤدي إلى انحسار مساحة الخير في النفس وسيطرة النزعة العدائية، طبقاً للرغبة القوية في الطلب الضعيف وبات ضعيفاً لانتفاء مشروعيته فضلاً عن افتقاره إلى أبسط مبادئ الأخلاق. وليس ثمة ما يسند هذا الطلب كمسوغ إنساني، عدا عن تقاطعه مع السياق الأدبي الجميل بكل ما يحوي في أتونه من معانٍ نبيلة ترتقي بالسلوك لتشبع الرغبة الكامنة في النفس حباً للخير وتألفاً يفيض إحساساً سامياً لبلوغ الخير وأجمل الخير وأبلغه كف الأذى، واستثمار المساحة البيضاء الناصعة في القلب فيما يحب ربنا ويرضى، ومما لاشك فيه أن النفس تحمل الخير والشر، وتبقى مسألة تطويعها أو بالأحرى ترويضها لتذعن لصوت الحق رهناً للصدق مع النفس والتصالح الشفاف وأعني بذلك حسن استثمار الوقت الذي هو أثمن شيء في الحياة وتجسيد هذه الثقة ينبع من عمق الارتباط بالمبادئ النبيلة الفاضلة، إذ إن الإنسان قد يسهم في إلحاق الضرر بأخيه من غير قصد، ومن ذلك التركيز فعبر مسألة التأمل وهذه فترة حرجة واختبار سريع لأي طريق يتاح للتفكير عبوره من هنا فإن الفرصة تكون سانحة لسيطرة الشيطان على الشعور إمعاناً في استثمار هذه الرغبة وفقاً لما يلحق الضرر على الطرفين. وتجدر الإشارة هنا بأن المبالغة والإفراط في القلق، بأن هذه (عين) تكرس هذه الرؤية وهي لا تعدو عن كونها آثاراً نفسية تصيب البشر، فلا يخلو الأمر من ضغوطات تنسحب على الأفراد ويتم تجاوزها بعدم التفكير فيها، ومنحها كبير اهتمام. فإذا كان كل عارض سيأخذ هذا الحيز من الاهتمام، فإنك ستعيش في دوامة، فضلاً عن تهيئة البيئة الملائمة للمرض أو الحالة إن جاز التعبير أن تتوطن وتستقر، فيصبح الوهم حقيقة فيما كانت الانفعالات غير المنضبطة معبراً سهلاً لنشوء هذه الأزمة من خلال تعميق هذا التصور النافذ المؤذي في حين أن تعزيز الثقة بالله يفند كل هذه التخيلات التي ما برحت تنقض على المؤمن الضعيف لتكبله بأصفاد الشكوك المقلقة وكذلك فإن ارتفاع منسوب المعرفة سيحجم كثيراً من دور نسج الخيال وافترائه على الإحساس. والمولى تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وحماه بالحفظة، درءاً من أن تتخطفه الشياطين، فهل بعد كل هذا يضعف اليقين. وليس ثمة ما يبرر رغبة الإنسان الجامحة في إصابة العباد، لمجرد أنهم يملكون ما لا يملك، لأنه قد يفقد ما يملك هو فيسلط الله عليه من يصيبه، لأنه أماط اللثام عن السوء الذي يكتنف وجدانه، ونحى الخير وسبله جانباً وكما تدين تدان، فضلاً عن أن التوازن الدقيق المذهل يقطع الشك باليقين بأنك إنما تقدم الخير لنفسك، ويندرج في إطار التصورات السيئة محرق الحسنات الحسد وتمني زوال النعمة عن الغير فلئن تباينت المستويات واختلفت المقامات فإن له في ذلك حكماً ولهذا تجد الدقة المتناهية والعدل المحكم في التوزيع إذ تجد بعض الخصائص منحت لشخص واختفت عند آخر على اختلاف أنماطها فتجد ما منح لك فقد عند غيرك، وما منح غيرك حرمت منه، ولو ُحسبت من جميع النواحي بمعايير دقيقة ستجد نفسك منحت من المزايا مثل ما منح غيرك وهنا تتجلى قدرة الخالق في عطائه المقسط وهو العدل سبحانه وأحكم الحاكمين، ومن أشد الأمور ارتباطاً بالقلق ووقوده الحسد، فتجد الحاسد والعياذ بالله دائم القلق، قليل الشكر لله، انتفت القناعة من قاموسه، وأصبح فريسة لنفسه يطوعه الخيال المضطرب ويعبث بأحاسيسه به كيف يشاء،. الحسد والعين وجهان لعملة خاسرة وكلاهما أشبه بشفرة يستعصي فك رموزها، لأنها كما أسلفت ليست محسوسة، ولن يكون المجهر أكثر تفاؤلاً في تشخيص هذه الحالات عدا عن سرعة نفاذها، وفتكها الشرس، إذ إن هذه المسألة تتم بلمح البصر، فما هي إلا ثوانٍ معدودة إن لم تكن أقل، إلا وقد نسجت هذه الآثار المهلكة خيوط البؤس. وحتماً فإن تسرب هذه الإيحاءات المؤذية يسهم في تناميها عدة عوامل أذكر منها على سبيل المثال، الفارق الطبقي على المستوى الاجتماعي، فكلما اتسع هذا الفارق كلما هيأ المجال واسعاً لانبثاق التصورات المزعجة والمؤذية في ذات الوقت، وكلما اتسعت الهوة بين الغنى والفقر، ساقت في أتونها دواليب الشر غير المرئية والمسموعة، وفي المقابل كلما زادت نسبة الوسط، أسهم ذلك في انحسارها واندحارها لذا فإن تجسير الهوة بين الغنى والفقر يكمن في ارتفاع مستوى المسؤولية الاجتماعية وتفعيل المشاركة التفاعلية اللائقة لتحقيق مستوى رفيع من التوازن في سياق التعاون على البر. وثمة ألفاظ تكرس هذا الشعور المقيت مثل ( اخس، يا حظه ، الله يهنيك ) وربما لا يقصد مطلق هذه العبارة الإساءة بالمعنى الواضح إلا أنها قد تحاكي الجانب القاتم في النفس وإطلاق هذه الألفاظ ينم عن جهل وفراغ وجداني، فبات قلب المؤمن الضعيف مسرحاً كئيباً تلعب فيه الموبقات أدواراً سيئة موغلة في التمازج مع الجفاء والخطيئة كنمط يغلف هذه الأحاسيس الشيطانية بغطاء يكسوه السوء، فيما يشكل الاعتقاد الخاطئ بأن التنصل من المسؤولية الأدبية وتمرير هذه المآسي خارج السيطرة، بمعنى أن المحاسبة غير واردة، فإن هذا خطأ فادح، فكان حرياً لجم هذه المؤثرات الشيطانية وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء. وتنقية المشاعر، بصفاء النية وكف الأذى، وحب الخير، لتدفق ينابيع تفيض مودة واستثمار الوقت بتمني الخير ليصيبك ما تتمنى لأخيك، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. بقلم / علي حنبص سعيد آل موسي / ابها