استوقفني مقال الأخ إبراهيم السكران \" تطورات المشروع التغريبي في السعودية \" . والذي حاول من خلاله إثبات وجود ما يسمى \" بالمشروع التغريبي \" في السعودية . وقد استشهد الكاتب على وجود مثل هذا \" المشروع \" بعدد من المؤشرات ، منها : الصراع الذي دار بين الإسلاميين ومن أسماهم بالتغريبيين أبّان أزمة الخليج والذي انتهى - كما يقول – بصناعة \" التغريب \" للضباب الكثيف حول الملك عبد الله ، ومنها أحكام الكفار والبراءة والحوار بين الأديان والتسامح الديني وإيمان الكتابيين لا كفرهم مستشهدا بمؤتمر الحوار بين الأديان وبعض الآراء عن هذا الجانب وبما تضمنه مسلسل \" طاش ما طاش \" ! ومنها اعتقاده أن بعض الإسلاميين المهتمين بالبعد السياسي قد انجرفوا بلا وعي في التغريب السياسي ، فصاروا ينادون بالديمقراطية والحرية . وبما أنه يعتقد بوجود جوانب قصور في نظام الحكم فأنه يرى أن الحل ليس بالديمقراطية والحرية التغريبية وإنما بالسياسة الشرعية . ومنها إنكاره على من يعترض على نهج رفع النصوص والمسائل الخلافية إلى منزلة الثابت القطعي ! ولعل من أهم النقاط التي توقف عندها الكاتب في سياق سرده لمؤشرات ودلائل ( تطور المشروع التغريبي في السعودية ) هي إعادة محاولات توظيف النصوص الدينية في قضايا المرأة ، ودفاعه عن من أسماهم \" بشيوخ المعارضة للتغريب \" ومنهم الشيوخ : اللحيدان والشثري والأحمد والمنجد والبراك ، وانتقاده للقرارات الصادرة بشأن بعض الفتاوى وحجب بعض المواقع \" الاحتسابية \" ، وإغلاق قناة الأسرة ، وانتقاده لقرار قصر الفتيا على كبار علماء الدين بقوله : ( قرار قصر الفتيا والاحتساب على من يأذن له الديوان ) ! وهنا استطيع القول : أولا : أن ما دفعني للرد على هذا الموضوع هو الأسلوب التحليلي الراقي الذي انتهجه الكاتب لطرح فكرته بعيدا عن التشنج العاطفي والنهج المألوف في الحوارات \" الانترنتية \" بخاصة والتي لا تخلو من الشخصنة والقذف والقذع وكيل الشتائم في أحيان كثيرة . ثانيا : برغم دخول مصطلح \" التغريب \" والتغريبيين \" في سياق كل حديث يدور في فلك قضايا المرأة على وجه التحديد بصفته وصم يوصم به كل ( شخص) يخرج برأيه عن النهج السائد إلا أنني اعتقد أن من الغريب الحديث عن ( التغريب ) باعتباره مشروعا مؤسسيا يقوم على التخطيط والتنظيم وبناء الثقافة اللازمة للتقبل . ومع ذلك ، فأن من الواضح ، وربما من التغاضي الحديث عن ( معارضة ) المشروع \" التغريبي \" بمعزل عن مشروع \" الإسلام السياسي \" في العالم العربي والخلافة الإسلامية على أرض ( الحرمين الشريفين ) كمشروع بديل لأنظمة الحكم القائمة في الدول العربية في حالة \" الصدام \" وكنشاط إسلامي ديني بحت في حالة الاعتراف بعدم القدرة على المواجهة والتصالح مع المؤسسة السياسية ورموز المؤسسة الدينية الرسمية . أما الحديث عن مشروع تغريبي فلا اعتقد أن ذلك يمكن أن يكون منطقيا في ظل وجود عدد قليل من ذوي الرأي المختلف عن هيمنة السائد ، ولا يمكن أن تؤسس لمشروع ما لمجرد بعض الآراء التي تعتمد على التحليل العقلي المتسق مع الثابت الديني أو تدعم قرارا يسير في هذا الاتجاه ، أو لمجرد تأنيث كاشير في السوبر ماركت ، أو لوجود ثورة إعلامية قد يستغلها البعض للاستثمار في الفن الهابط والبرامج التافهة ففي المقابل أيضا هناك استثمارات \" تجارية \" تقوم على السخرية من العقل المتلقي باسم الدين أو تحت غطاء برامجي ديني . ثالثا : من المعروف في أدبيات الواقع السياسي صناعة الوهم ، ومن ذلك صناعة العدو ، والضد ، والتآمر والمؤامرة ، وتهديد الهوية ، وهدم الثقافة والعقيدة ، وغير ذلك من أدوات استثارة عاطفة الخوف والتوجس ، وشحن العقل الباطن للمتلقي بطريقة تراكمية بالصور السلبية تجاه عوامل التغيير التي تثير مخاوف بعض الإسلاميين أكثر مما تثير مخاوف مخالفيهم !. فالسعودية دولة تقوم على أسس دينية تتعاون فيها السلطة السياسية مع المؤسسة الدينية الرسمية لما فيه خير الإسلام ، والشعب السعودي شعب محافظ ومتدين بطبعه وفطرته ، ولذلك فأن ما يخلق اتجاها سلبيا نحو أي شخص أو رأي أو قرار هو حمله بما لا يحتمل من أدوات الإضرار بالدين . ومن ذلك الحديث عن \" التغريب \" وبطريقة وأساليب مبتكرة وبمقدورها أن تحمل المتلقي العادي على الخوف من تحويل المرأة السعودية إلى امرأة مقلدة لكل رذائل المرأة الغربية !! وفي الوقت نفسه تحذير ضمني للسلطة السياسية من الجانب السياسي في ( المشروع التغريبي ) ! أما \" الضباب \" يا عزيزي فلا اعتقد أن مصدره الإسلاميين ولا المخالفين لهم بل هو من مصدر آخر يقول : كل مواطن لديه ناقة واحدة على الأقل من مزايين الإبل يحلبها في اليوم خمس مرات – على الأقل أيضا – فأن نقص عليه شيئا من ( الدراهم ) باعها في سوق المزايين بثلاثة ملايين ريال .. يشتري منها \" لا بتوب \" هدية لأبنته وإرضاء لها بعد فصلها من عملها في السوق على \" الكاشير إثر فتوي تحريم \" كاشير المرأة \" لتتصفح \" النت \" تبحث وتقرأ فلعلها تتعظ من \" تطورات المشروع التغريبي في السعودية \" !! [email protected]