"تغريب المرأة" ليس موضوعاً جديداً يطرح في الوسط الثقافي المحلي، لكن ما هو جديد –ربما- هو التدوين التاريخي لهذه الحركة منذ قيام الدولة السعودية الثالثة، وتقديمه كرسالة علمية تحت عنوان: (حركة التغريب في السعودية.. تغريب المرأة أنموذجاً) نال بها صاحبها الباحث عبدالعزيز بن أحمد البداح الدرجة العالمية (الدكتوراة) من الأزهر الشريف-. ماهو جديد ومثبت في هذه الأطروحة –كتوثيق علمي- هو محاولة الاستقصاء لرموز فكرية وتيارات تاريخية بعضها منظم وبعضها الآخر غير منظم ساهمت بشكل أو بآخر عبر برامجها وأفكارها لتغريب المرأة–من وجهة نظر الباحث- في المجتمع. وفي طرح جريء وغني بالمعلومات والمصادر التي تجاوزت (500) مرجع إضافة إلى عشرات الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والأفلام والقنوات الفضائية يقدم الباحث مادته حول مظاهر التغريب ومساراته وأنشطته التي تابعها – كما يذكر- منذ عقدين من الزمن، وقدم حولها الأدلة والبراهين لإثبات هذه الحركة الاجتماعية السياسية في المجتمع. ولم يخف الباحث صعوبات واجهته في البحث حين لم يجد تفاعلاً لدى كثير من الشخصيات الدينية والدعوية في المجتمع. ورغم أنه كان جريئاً في تعرضه بالدراسة النقدية لمواقف وأشخاص بأعيانهم إلا أنه تجنب نقد بعض الرموز السياسية والدينية كما يقول. مكانة المرأة يبتدئ البداح رسالته بتمهيد عن مكانة المرأة في الإسلام ومكانتها في الرؤية الغربية. ويشرع في فصل الكتاب الأول بلمحة عن واقع المملكة العربية السعودية السياسي ثم الديني الذي أكد فيه غلبة التيار السلفي في المجتمع الأمر الذي لم يمنع وجود عدد من التيارات الإسلامية الأخرى بعضها يصرح أتباعها بالانتساب وبعضها الآخر لا يصرح. و استطرد في حصر (التيارات اللادينية) -كما يصفها- التي ظهرت في المجتمع وهي: الشيوعية والحداثة والعلمانية والقومية العربية والقومية البعثية والقومية الناصرية والإصلاحيون. ثم وصف الواقع الاجتماعي ومحددات الحياة الاجتماعية التي تمثلت في المكانة الدينية للمملكة، والقبيلة، وهيمنة التيار الديني، كما حدد أبرز المظاهر الاجتماعية التي ارتبطت بها حركة التغريب، وهي: الحجاب والاختلاط بين الجنسين. ثم يذكر في المبحث الثاني من هذا الفصل تعريفات لحركة التغريب، ونشأته التي أطلت من خلال عدة نوافذ، أهمها: منطقة الحجاز التي كانت تتسم بالانفتاح وكان فيها واضحاً عمل المرأة مع الرجل في المحلات التجارية، وارتياد النساء المقاهي وتعاطيهن الشيشة وهن متبرجات –كما يصف المؤلف-. كذلك من خلال الشركات الأجنبية، وبعض الأسر الثرية، وأخيراً عبر نافذة الابتعاث. وفي آخر الفصل يبين المؤلف مراحل حركة التغريب التي يقسمها إلى خمسة مراحل: مرحلة النشأة (1920)، ومرحلة التنظيم (1930)، ومرحلة المؤسسات (1960) التي ظهرت على أكثر من صعيد كما في الجامعات والمجلات النسائية والتلفزيون والقطاع الطبي، وغيرها... ثم مرحلة الانحسار (1980)، وأخيراً مرحلة العودة والظهور (1995). أهداف الحركة ويستفيض الباحث في فصل الكتاب الثاني الذي اشتمل على أهداف حركة التغريب عبر عدة مطالب، هي: خلع الحجاب، ورفع قوامة الرجل عن المرأة، وعمل المرأة في كافة المجالات، ويستدل الباحث على تلك المطالب بكثير من مقالات الكتاب الذين يعتبرهم "رموز" للتغريب، وبمحاولات بعض الصحف إيراد أخبار وتحقيقات وصور حول تلك المواضيع والمطالبة بفرضها على أرض الواقع، كما أورد المؤلف جملةً مما تحقق كدخول المرأة مجال تقديم نشرات الأخبار والمسرحيات النسائية التي تعرض في عدد من المناطق، ومشاركتها في المؤتمرات والملتقيات الدولية، وعملها في الشركات والمؤسسات وغيرها.. ثم بحث البداح أسباب "حركة التغريب" التي قسمها إلى: أسباب داخلية، وأسباب خارجية؛ فالأسباب الداخلية تمثلت في: الفهم المغلوط من قبل البعض للتنمية والتحديث، وانحراف النخب المستغربة التي عزا الباحث لها الدور الأكبر في عملية التغريب وذكر منها (20) شخصية -بينهم وزراء وإعلاميين وكتاب- هي من أكثر الشخصيات تأثيراً كما يصفها الباحث. وأورد لتلك الشخصيات جملة من المواقف والآراء التي تدعم تغريب المرأة - كما يرى الباحث-. كما اشتملت الأسباب الداخلية التي يراها الباحث "لحركة التغريب" على الانفتاح الإعلامي ، والمظالم الواقعة على المرأة، وتراجع العمل الدعوي. أما الأسباب الخارجية فكانت هيمنة القطب الواحد، والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. جملة من العوائق وفي المبحث الثالث من هذا الفصل استعرض الباحث جملةً من العوائق التي تقف ضد "حركة التغريب" منها: مكانة البلاد الدينية، والتحالف بين المؤسسة الدينية والقيادة السياسية، ورعاية الدولة ورموزها للنشاط الإسلامي، وتدين المجتمع، وقوة التيار الديني ونفوذه، وأقلية التيار التغريبي وجمهوره. وتناول المؤلف -بالنماذج والشواهد- في المبحث الأول من الفصل الثالث أساليب "حركة التغريب" التي جاء فيها: مهاجمة المنهج السلفي والمؤسسات الدينية، وتوظيف أشخاص ودعمهم مادياً ومعنوياً، وإبراز من أسماهم "المستغربات" وتكريمهن والاحتفاء بهن في وسائل الإعلام، والاتصال بالسفارات الأجنبية، واستغلال بعض المنتسبين للعلم والدعوة وذكر نماذج من ذلك "الاستغلال" ومنهم شخصيات كرموز دينية لها برامج فضائية واسعة الانتشار، كما رجح الباحث أن يكون هناك تحالف في السنوات القادمة بين "حركة التغريب" وبين من يسمون "بالتيار الإسلامي المستنير" ليقوم كل منهما بخدمة أهداف الآخر. ثم ذكر في المبحث الثاني الوسائل التي استخدمتها "حركة التغريب" كالإعلام والسياحة والجمعيات النسائية والروايات والمسرحيات والقطاع الطبي. وختم فصله الثالث بما أسماه: "سمات حركة التغريب" التي ذكر منها: التنظيم الذي تجلى من خلال التوقيت الموحد في طرح القضايا المتعلقة بالمرأة، وتوزيع المهام، والتدرج، والدعم والتوجيه لشخصيات معينة، وغير ذلك، كما يذكر المؤلف أن من سمات "حركة التغريب" الجهل بالأحكام الشرعية، وتجاهل مشكلات المجتمع الحقيقية. الآثار السلبية وخصص الباحث الفصل الرابع لعرض آثار "حركة التغريب" بدأها بالآثار السياسية المتمثلة بالجرأة وتقوية الأقليات الداخلية، وثنى المؤلف بذكر الآثار الثقافية من تغيير المفاهيم، وضعف الثقافة الشرعية، والتشبع بالفكرة الغربية. ثم ذكر المؤلف الآثار الاجتماعية المترتبة على "حركة التغريب" من تفكك وتمرد على الأسرة، إلى ارتفاع معدلات الطلاق والعنوسة، واستقدام الخادمات والمربيات، وتهيئة الظروف لظهور العنف. وآخر هذه الآثار المذكورة هي الآثار الاجتماعية كابتزاز المرأة، والتحرش الجنسي، وارتفاع معدلات الجريمة الخلقية. رفض المجتمع أما الفصل الأخير من هذا البحث –المطول- فقد أورد فيه الباحث مواقف متعددة تجاه قضايا المرأة مؤكداً بها رفض المجتمع لظواهر التغريب؛ وقد بدأها بموقف الأنظمة والتعليمات المعمول بها في المملكة تجاه قضايا الاختلاط وعمل المرأة، كما ذكر مواقف المؤسسات والشخصيات الدينية والدعوية، ومواقف عددٍ من الكتاب والمثقفين المناهضين "لحركة تغريب المرأة"، وأشار إلى بعض الحوادث الاجتماعية التي تدل –من وجهة نظره- على استنكار المجتمع للأعمال التغريبية كتجمع "عدد كبير" من الناس عند رئاسة الإفتاء. وقد أشار الباحث إلى بطء تفاعل المجتمع مع حركة التغريب مستدلاً بالرفض التام من قبل الفتيات للانخراط في بعض المجالات كالتمثيل والغناء الأمر. وختم الباحث فصول كتابه بعدة مطالب لمواجهة "حركة التغريب"، أهمها: الاستغلال الإيجابي لوسائل الإعلام، وإنشاء مراكز الدراسات الأسرية والاجتماعية، وتشجيع محاضن التربية والتوجيه النسائية، وكشف التيار التغريبي ورموزه والتحذير منها، والتعريف بحقوق المرأة في الإسلام، ورفع المظالم الواقعة على المرأة، وتفعيل دور الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع خطط عملية ومدروسة لمواجهة "حركة التغريب"، وإنشاء مراكز تتولى الرصد والمتابعة، وبعث الدعوة إلى الله. وقد حذر الباحث في ختام توصيات رسالته للدكتوراة -التي نشرها المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة- الدعاة وطلبة العلم من التورط في مواقف وتصريحات تخدم التيار التغريبي، كما تنبأ باعتماد التيار التغريبي في المستقبل على بعض المنتمين للتيار الإسلامي لتمرير مشاريعه. *********************************** الدخيل: هل خروج المرأة للكلية تغريب؟! ترى د.ميسون الدخيل-الكاتبة والاستشارية الاجتماعية- أن ما يحصل من مطالبات لتصحيح أوضاع المرأة هو نتيجة التغيرات العالمية والدولية، التي تتجلى مظاهرها في عصر العولمة، والتجارة الدولية، وعصر الانفتاح والانترنت، وتضيف: "نحن جزء من المجتمع العالمي ونمر بمرحلة خروج من الانغلاق المحلي إلى الدخول في المجتمع العالمي" لكنها تستدرك أن ذلك الانفتاح على المجتمعات الأخرى يجب أن "تظل فيه القيم الأساسية ويحافظ عليها"، وضربت أمثلة بما يحدث في مجتمعات شرقية أخرى كالصين واليابان. وأكدت على دور الأسرة في غرس القيم والمحافظة عليها لتجنب انحراف المجتمع حال انفتاحه على الآخرين. ونفت وجود حالة تغريب للمرأة السعودية حين تشارك في مؤتمرات خارجية أو تحصل على جوائز محلية أو عالمية، واستنكرت إطلاق كلمة "تغريب" في سعي المرأة لنيل حقوقها وخروجها من بيتها للعمل مضطرة، أو مشاركتها في بناء وطنها والتعريف به، وتساءلت: هل خروج المرأة للمدرسة والكلية يعتبر "تغريباً"؟! وأشارت إلى أن هناك سلبيات وسلوكيات خاطئة قد تصاحب مطالبات المرأة لكن تعميمها على كل امرأة ليس صحيحاً. وحول استغلال حاجة المرأة لتمرير مشاريع أو أجندات خفية قالت الدخيل: "دائماً هناك من يستغل لكن ليس هذا هو الأساس وليس هو مكمن الخطورة"، ودعت إلى أن ننشغل بمسيرة البناء والتطوير في العنصر البشري بدلاً من الانشغال بأن هناك مؤامرة وهناك استغلال ويتطور الأمر ليصبح "تناحر داخلي"، ودعت في ختام مداخلتها إلى مساعدة المرأة للقيام بعملها في جو يتناسب مع أصول وقواعد ديننا الإسلامي ونبذ العادات والتقاليد التي تظلم المرأة. *********************************** العقيل: لا وجود للتغريب.. ولكل مجتمع شياطين من جانبها أشارت الكاتبة والأديبة انتصار العقيل أن المرأة وصلت لدرجة لا يمكن لأحد أن يقودها أو أن تكون مفعول به، وإنما أصبحت منتجة وفاعلة في المجتمع المحلي والعالمي، وبفضل الحريات المتاحة والحقوق التي نالتها المرأة لم تعد هناك جهة محددة تستطيع أن تجبرها على أمر ما، بل هي أصبحت تقود مطالبها واحتياجاتها. وعن وجود حركة تغريب منظمة قالت العقيل: "لا أعتقد أن هناك حركة تغريب مقصودة وإن كان هناك من يستغل احتياجات المرأة لدفع المجتمع إلى التحلل من الأخلاق والقيم لأن في كل مجتمع هناك "شياطين" لكن ليس ذلك هو الأصل". واعتبرت العقيل أن المرأة التي تنساق وراء تلك الدعاوى امرأة غير سوية وانتقدت تعبير المرأة عن احتياجاتها ببعض الروايات التي تندرج تحت ما يسمى "الأدب الفاضح". وعن استيراد عادات وتقاليد غربية في المجتمع السعودي أضافت العقيل أنه علينا أن لا ننساق وراء الغرب أو الشرق وإنما نرى ما يمكن أن يفيدنا من أي جهة جاءت؛ فليس كل ما أتى من الغرب هو نافع كما أن ليس كل ما في الشرق هو صحيح وإنما يجب أن نحكم عقولنا فيما نأخذ وفيما نترك. *********************************** العقيل: منظمات دولية تعمل لنشر "الجندر" في محيطنا المحلي أكدت رئيسة تحرير مجلة حياة إيمان العقيل للرسالة أن "إحدى إشكالياتنا في الحوار والنقاش هو الخلط في المفاهيم والضبابية في المصطلحات مما يؤدي إلى تباين واضح في مسار المناقشات، ويصبح كل متحدث يتكلم عن ألفاظ واحدة ولكن بدلالات ومعاني ومفاهيم تختلف عن الآخر" الأمر الذي يتسبب في إشكالية لدى المتلقي الذي يسمع ويشاهد صراع صوتي دون أن يفهم مالذي يريده المتحاورون. ثم أشارت إلى فهمها للمصطلح المأخوذ أصلاً من اللفظة الغربية ""westernization أي تحويل المجتمع بكل تفاصيله من عقائد وأخلاق وسلوكيات للنمط الغربي... الأمر الذي نادى به من قبل بعض طلائع التغيير في العالم العربي أمثال رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ولويس عوض. وعن المرأة السعودية وهل تواجه محاولات تغريب أم لا؟ أشارت العقيل إلى كتاب أصدرته الأممالمتحدة من خلال منظمة "اليونيفيم" المعنية بالمرأة في العالم تحت عنوان "العنف ضد المرأة السعودية" وهي دراسة عن المرأة السعودية صادرة عام 2007م، تشير مقدمة الكتاب الى أن المنظمة معنية بالدرجة الأولى لنشر مفاهيم "الجندر" في المجتمع السعودي، وفلسفة الجندرية هاجمها الكثير من مفكري الغرب وعقلائه لخطرها في تأجيج الصراع من خلال تقسيم المجتمع إلى ذكور وإناث بحيث تكون العلاقة بينهما قائمه على الصراع والتحدي، وأكدت العقيل أن أكبر المنظمات الدولية لديها آليات في فرض قراراتها والضغط على الدول بل ودعم بعض القوى في المجتمعات من أجل فرض أجندتها. وتضيف العقيل أن نفس الدراسة تشير الى أن من مظاهر العنف ضد المرأة "كثرة الانجاب، ومفهوم القوامة، وزواج الصغيرات"... وغيره من الأطروحات التي ينظر لها بأنها تتعارض مع حقوق الانسان بالمفهوم الذي توصلت له الحضارة الغربية، ويراد منا أن نتعامل معه كنموذج يحتذى دون مراعاة لاختلاف المجتمعات وثقافاتها وقيمها...كل ذلك يوضح -من وجهة نظر العقيل- وجود نمط في التسلل التغريبي لمجتمعاتنا، لكنها أقرت أنه قد توجد أخطاء في المجتمع السعودي التي يجب تصحيحها ومعالجتها من داخل المنظومة الإسلامية دون الحاجة للحلول المستوردة.