االشباب: سببان و«حياة» علي القاسمي للقطاع الخاص قصة مع الشاب السعودي هي أشبه بعلاقة بين طرفين، أحدهما يحمل حباً وتخوفاً في آن واحد: الحب وليد البطالة والفقر، والخوف من صنع الرؤية الضبابية على المستقبل والموت المفاجئ الذي قد يصيب لقمة العيش، الطرف الآخر يُظهر الود والاحتفال والاحتفاء واحترام العلاقة والاستعداد للتضحية، ولكن كل هذه المظاهر تباع بثمن بخس، وتصبح ضرباً من الاستعراض والجدية في فتح دكاكين بيع الكلام أكثر من الجدية لتعزيز العلاقة وخلق الثقة مع الطرف المُحِب القلق. تنعقد الجلسات ويحتدم الجدل وتتوزع النقاشات لتدور وتدور في حلقة واحدة، ما دام التركيز كله منصباً على دائرة الملعب من دون الاهتمام بتسجيل الهدف. لعزوف الشباب عن القطاع الخاص سببان وحيدان نهرب منهما ونعود إليهما بلا تفاصيل مملة، وأحاديث طويلة، نتحدث عنهما بكثير من الكلام ونقص في الحماسة، وكأنهم ليسوا جيلاً وأبناء ومواطنين لهم مشروعية الأحلام وتحقيقها، ما الذي يَدفَع الشباب المؤهل لأن يهرب من الانضمام للقطاع الخاص؟ ويضيع وقته في البحث عن بديل؟ ولأكون أكثر تفاؤلاً سأقول: ما الذي يجبره على تحاشي هذا القطاع بعيداً عن قسوة مفردة الهروب! هذا السؤال هو الأكثر شعبية حين يصطدم الطرح بالقطاع الخاص، لأعود ببساطة متناهية وأضع السببين هنا على السطر، تاركاً من يريد الإبحار في التفكير والمشاركة في الرأي وإضاعة اللقاءات والحوارات برفقة كامل الحرية، ولا أسلب منه شيئاً. السببان هما: ضعف الراتب «العائد المالي من الوظيفة»، وغياب الأمان والأمن بالنظر إلى مستقبل مخيف، اثنان لا ثالث لهما متكرران معلومان، والتكرار كما حفظنا من الصغر يعلم الشطار، ولكن الحياة علمتني أخيراً أنه أيضاً قد يعلم \"التجار\"، يغيب عن كل مسؤول في القطاع الخاص أن احتواءه للشاب الطموح احتواء لأسرة كاملة، وتقليص غير مباشر لمعدلات الجريمة والبطالة والتسول والأمراض النفسية، وأن منحه راتباً شهرياً كافياً، ويعد أماناً يزيد رزقه بدعاء الغيب، ويضع الشاب بلا هواجس تفكير، ولا مشكلات أسرية، ولا نوبات خوف وقلق وضغط، ولكن أن تعرفوا الجرح الكبير الذي يخفيه موظف في قطاع خاص يعمل 12 ساعة ويقوم بكل شيء من أجل 1000 ريال تزيد قليلاً، يهبط عليه راتبه بالتقطير شهراً، وشهوراً يقف في طابور الانتظار، هو وأفواهه الجائعة الصابرة. العلاقة المتبادلة بين الشاب والقطاع الخاص علاقة متواصلة، لا يمكن أن تنقطع، وستجبر المعاناة والظروف القاهرة الصعبة شاباً جديداً على مواجهة التجربة نفسها لشاب سابق، اكتوى بالاستغلال والإحباط وعدم التقدير والمنة بالريالات المقدمة. لن تستعصي أحبتي معالجة الخلل إذا استطعنا أن نضاعف روح المواطنة ونفهم أن الزيادة البسيطة في الراتب ستذهب لجسد طفل أو طفلة، وستغني عن ذل سؤال وتمزيق ثوب وإراقة ماء وجه. يتحدث صديق له علاقة بهذا الشأن قائلاً: يا صديقي مشكلتنا كقطاع خاص أن الشاب السعودي يأتي للمكان من أجل تمضية وقت ومحطة عبور لمشوار آخر، قلت له: صدقت، ولكن لم يضعه في خانة هذه الاعتبارات إلا الراتب الضعيف الضئيل، وخطابات الإقالة والاستغناء التي تمطر كلما قوي العود، أو شب واحد عن الأقران جهداً واجتهاداً. لقمة العيش التي ترفع وترتقي بالنظر من الأرض هي المهم في مسلسل العيش، ولست ملزماً كباحث عن عمل أن أستسلم لشجرة لا تظلل وأنا أتعب من أجلها، أو تمنح الشباب ما يزيد على الحساب إبراء للذمة. الشاب المسكين يريد راتباً يأكل منه ويرتب نفسه، ويضعه إنساناً متواضعاً بوظيفة ثابتة لا تطرده فجأة، بل تقف معه في أي لحظة وتضمه لها. المطلبان سهلان لكنكم أيها المجتمعون المناقشون تبحثون عن حلول وهي على الطاولة تصيح، ولكن الآذان لا تزال تبحث! [email protected] [1]