بعد 18 جلسة شهدتها أروقة المحكمة الإدارية بمنطقة مكةالمكرمة على مدى عامين، أصدر قاضي الدائرة ال 19 حكمه بإلزام الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بتحويل رواتب موظفي المسجد النبوي الشريف إلى البنوك المحلية، أسوة بباقي الدوائر الحكومية. الحكم الذي لم يكن أول حكم تصدره المحكمة الإدارية بمنطقة مكةالمكرمة ضد "رئاسة الحرمين" جاء خلال جلسة لم تستغرق 25 دقيقة طابق خلالها قاضي الدائرة أسماء الموكلين في الدعوى، ليقرر يوم 28 من الشهر الجاري موعدا لاستلام صك الحكم. وفيما لم يتسن معرفة الموقف الرسمي ل"رئاسة الحرمين" من الحكم، خاصة فيما إذا كانت تنوي الاعتراض عليه، إلا أن الموظفين أصحاب الدعوى تفاءلوا بالمصادقة على الحكم كما صدر، أسوة بالحكم الذي كسبه أقرانهم العاملون في المسجد الحرام والذي اكتسب القطعية وأصبح واجب التنفيذ. وبدأت القضية أوائل 2008، حين رفع نحو 35 موظفا من منسوبي وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي الشريف دعوى إلى المحكمة الإدارية بمنطقة مكةالمكرمة مطالبين بتحويل مرتباتهم، التي لا يزالون يستلمونها يدويا، إلى حسابات بنكية بغية الاستفادة منها في القروض الإسلامية ومشروع "مساكن" مطالبين بمساواتهم بموظفي أجهزة الدولة ورفع الوصاية عنهم. ولم يغفل ممثلو الموظفين الإشارة إلى المعاناة والمخاطر التي تتبع تسلم مرتباتهم نقدا عبر محاسب "وكالة الرئاسة" ومن ذلك احتمالات سرقة أو ضياع المرتبات "خاصة أن غالبية الموظفين يعملون في منطقة التجمعات البشرية في المسجد النبوي الشريف وفي ساحاته" علاوة على الأخطاء التي تقع من المحاسب إما بزيادة المرتب أو إنقاصه، وفي بعض الأحيان لا يتمكن الموظفون من استلام مرتباتهم نهاية كل شهر، وذلك بسبب عدم وصول الشيكات أو توافق وصولها مع أيام الإجازات الأسبوعية. وتحققت مخاوف الموظفين التي أعلنوها قبل عامين، حين تعرضت مكافآت معلمين وطلاب في المسجد النبوي الشريف للسرقة. وجاء اكتشاف اختفاء مبلغ 90 ألف ريال من الخزينة التي تستقر داخل مكاتب "الرئاسة" بعد صلاة الظهر من قبل عاملين في المسجد النبوي فوجئوا بباب الخزينة مشرعا بدون خلع، وخاليا من المبلغ. أما الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي فدافعت عن إجراءات التسليم اليدوي للمرتبات، قائلة إن تحويل مستحقات الموظفين إلى حسابات بنكية "كان سببا رئيسا في وجود وضع يعتبر كارثة وطنية، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية الاجتماعية" على حد تعبير لائحة الرد على الدعوى التي قدمتها "رئاسة الحرمين" للمحكمة الإدارية. وتضمن الرد أن "الرئاسة لا تمانع من ضمان مديونية موظفيها في حدود رواتبهم إذا كانت المديونية شرعية" في إشارة إلى اعتقادها بربوية القروض التي تمنحها البنوك؛ إذ ورد في اللائحة "أن البنوك لا تمنح قروضا مجانية، وإنما تسلف الأموال لأجل بربا، ويتم ذلك بطريق مباشر، أو بطريق الحيلة، وفق الصور التي تعلن عنها البنوك لهذا الغرض". وردت المحكمة الإدارية بمنطقة مكةالمكرمة على ما تضمنته لائحة الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وذلك في معرض حكمها الذي أصدرته لصالح موظفي المسجد الحرام، إذ قالت إن "المدعى عليها (رئاسة شؤون الحرمين) تنصب نفسها سلطة للفتوى، وليس ذلك من اختصاصها، والفتوى بالحل والحرمة لا تكون إلا لأهل الفتوى المعتبرين، وإن رأت المدعى عليها أن تحويل رواتب المدعين للبنوك مشاركة في الإثم على حد زعمها، فعليها أن تستصدر فتوى بذلك من جهة الاختصاص تحرم التمويل، وألا تقحم نفسها فيما ليس من اختصاصها". وأشارت المحكمة إلى أن "رئاسة الحرمين" جاوزت بإجراءاتها في التسليم اليدوي لمرتبات الموظفين ظاهر الأمر إلى باطنه "لتبحث في قلوب موظفيها وتنقب عن نياتهم" مضيفة أن "أغلب البنوك الموجودة في البلاد ولله الحمد بنوك ذات صبغة إسلامية".