أسواق صنعاء القديمة سياحة عبر الزمن .. فيها يجد الانسان نفسه متوحدا مع المكان ومتنقلا بين عصور وأزمنه مختلفة ليزرع ذلك التجوال فى نفسه إنطباعا إستثنائيا حيث تختلط روائح البخور والعطور والبهارات ونكهة البن اليمنى مع طرقات أصحاب الحرف اليدوية التقليدية لتشكل مزيجا فريدا من الروائح والاصوات ومشاهد تعيد صياغة الماضى بروح متجددة. وأسواق صنعاء القديمة التى ذكرت فى كتب التاريخ /50/ سوقا تحتضنها أزقة وحوارى صنعاء القديمة لكنها تناقصت مع مرور الزمن لتصل حاليا الى 35 سوقا متخصصا و29 سمسرة تستغل كمخازن للبضائع ومصارف للتبادل بالنقود فضلا عن كونها نزلا تقدم خدماتها للمسافرين ودوابهم وبها أماكن لحفظ أمتعتهم ومقتنياتهم. وقد وصفها الرحالة الاوروبيون أمثال جون جوردين وكارستين نيبور فى كتاباتهم خلال زيارتهم لها فى القرن الثامن عشر بأنه أسواق متميزة ومتعددة الاغراض أرتبط إزدهارها بازدهار الحرف التقليدية فيها. وحسب دراسة لأستاذ علم الاجتماع فى معهد الهندسة المعمارية فى (فرساى) فرنسا الدكتور /فرانك ميرمين/ كانت اسواق صنعاء القديمة تمثل على المستوى الاقليمى مركزا مهما للإنتاج الحرفى ولتجارة المنتجات الريفية ألا أن تاثيره التجارى أكتسب بعدا دوليا حيث شاركت المدينة فى تجارة القوافل التى كانت تربط موانىء البحر الاحمر والمحيط الهندى بشمال شبه الجزيرة العربية . ورغم تسلل الانماط العمرانية الحديثة لاسواق صنعاء القديمة الا انها لازالت تحتفظ بأصالتها وجمالها العتيق فهى تاريخ متصل ومتواصل يرتبط فيه الحاضر بالماضى على نحو وثيق و شاهد تاريخى متجدد لنمط الحياة العربية القديمة . وتبدأ جولة التسوق فى أسواق صنعاء القديمة من سوق النظارة الذى يمتد من المدخل الجنوبى للمدينة القديمة / باب اليمن /الى /باب شعوب /شمالا وسمى سوق النظارة لأنه أشتهر ومازال ببيع العطورات وأدوات التجميل وقيل لأنه أول سوق يقع نظر المتسوقين عليه والغالب فى هذا السوق أن أكثر محلاته سماسر كانت مخصصة لبيع قشر البن والمفروشات. سوق الملح.. ويعد أشهر أسواق صنعاء القديمة وأقدمها على الاطلاق وعرف بهذا الاسم كونه السوق الرئيسى للتوابل والبهارات غير أن المؤرخ أبو الحسن الهمدانى أورد فى كتابه الاكليل سببا آخر للتسمية فهو فى الاصل سوق الملح (بضم الميم وفتح اللام)أى أنه سوق كل ما فيه جميل ومليح. وهناك أسواق اخرى متخصصة كسوق القماش وسوق البخور والعطور وسوق الزبيب والبن وسوق الذهب والفضة وسوق النحاس وسوق الحرف اليدوية من حدادين ونجارين وبنائين وسوق القات وسوق الجلود وسوق الحبوب وسوق الحلى الشعبية المصنوعة من الفضة والعقيق اليمانى وسوق الجنابى/الخناجر/ والسيوف وغيرها الى جانب عدد من الاسواق الحديثة نسبيا الخاصة ببيع الملابس الجاهزة والعطور المستوردة والاجهزة الكهربائية والسلع الاستهلاكية والتى بنيت لها محلات خاصة خارج أسوار صنعاء القديمة. وتشتهر أسواق صنعاء بجميع أنواع المشروبات والحلويات العربية القديمة خاصة التى تقدم مع القهوة بالاضافة الى شهرتها بتجارة الاعشاب والعقاقير الطبية التقليدية التى لازالت تستخدم على نطاق واسع..وكما تفردت أسواق صنعاء القديمة فى التجارة والانتاجات الحرفية فقد تميزت ايضا بالقوانين والضوابط والقيم الاخلاقية -السارية حتى اليوم- لتحكم نسق وطبيعة المعاملات فيها. وحسب ما أورد جمال الدين الشهارى المتوفى سنة 1176للهجرة عن أسواق صنعاء فى كتابه/ المنشورات الجلية/تحمل هذه الاسواق الوفاء لماضيها وإرتباطا بجذورها. ولكون تلك الاسواق قبلة السياح الباحثين عن روائح التاريخ وعن سحر ليالى الشرق القديم قام بعض الاهالى بتحويل منازلهم القديمة الى فنادق تنافس فنادق الخمسة نجوم وتحظى بإقبال كبير حيث تقدم فيها الوجبات اليمنية التقليدية وتعقد فيها جلسات شرب القهوة والاستماع الى الموسيقى والغناء الصنعانى القديم ..كما تعمل الهيئة العامة للتنمية السياحية فى اليمن على الترويج لأسواق صنعاء القديمة كجزء من المنتج السياحى الذى يستهدف قطاعا عريضا من السياح الاجانب.