أوصى فضيلة أمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله والاقتداء بالصفوة والتأسي بالأخيار وسلوك مسالكهم واقتفاء أثارهم والتخلق بأخلاقهم. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام إن في الاقتداء بالأخيار وفي التأسي بالأبرار وفي اقتفاء آثار المتقين والسير على منهاجهم فوز عظيم وسعادة لا نظير لها ونجاح لا حدود و لا منتهى له وفيما ذكره الله في كتابه من توجيه الأنظار إلى مسلك الصفوة ونهج عباد الرحمن وسبيل البررة ما يحقق هذه الغاية ويبلغ هذا المراد إذ هو المثال الذي يحتذى من ذلك قوله عز اسمه / وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما / إنهم يمشون على هذه الأرض مشية المؤمن الذي تعلوه السكينة ويزينه الوقار لا يتكبر و لا يتجبر لا يريد علوا في الأرض و لا فسادا وإذا بسط إليهم الجاهلون ألسنتهم بالسوء لم يقابلوا ذلك بمثله بل بالعفو و الصفح والمغفرة والتجاوز عن الزلات والهفوات. وأضاف فضيلته يقول إن هذا نهارهم فكيف ليلهم إنه خير ليل أبيض مضيء بأنوار الطاعة يزدلفون بها إلى ربهم ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) صفوا أقدامهم وأجروا دموعهم واتصل نشيجهم يحذرون الآخرة و يرجون رحمة ربهم ضارعين إليه ( ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) أي لأنه كان هلاكا دائما وخسرانا ملازما ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) وفي هذا من المدح لهم والثناء عليهم ما لا يخفى ، ذلك أنهم مع حسن معاملتهم للخلق وشدة اجتهاداتهم في عبادة الخالق وحده لا شريك له يخافون أن ينزل بهم عذابه فيبتهلون إليه بأن يصرفه عن ساحتهم غير آبهين و لا ملتفتين إلى جميل أعمالهم وعظيم رصيدهم منها. وواصل يقول \" وأما في إنفاقهم على أنفسهم وأهليهم فلقد سلكوا فيه اعدل السبل ونهجوا فيه أقوم الطرق فكان وسطا عدلا لا تبذير فيه ولا تقتير فلم يكونا مبذرين شأن أولئك الذين يولعون بمظاهر البذخ بالمطاعم والمشارب والملابس والمراكب والأثاث وفي الموائد والأفراح ولم يكونوا كذلك مقترين شأن أولئك الذين يقبضون أيديهم عن واجب النفقات ويشحون بالمعروف ويبخلون بما أتاهم الله من فضله لأن من شأن الإسراف استنفاذ المال في غير مواضعه فينقطع الإنفاق وتذبل زهرته ولأن من شأن الإقتار إمساك المال فيحرم مستحقه ولقد كان من صفات عباد الرحمن أيضا التخلي عن المفاسد والتجافي عن الشرور التي كانت ملازمة لقومهم من المشركين غالبة عليهم حيث تنزهوا عن الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله قتلها والزنا جاء ذلك في قوله عز من قائل ( والذين لا يدعون مع الله اله أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى اثاما ) انه إخلاص الدين لله وصرف جميع أنواع العبادة له وحدة فلا يدعون في الشدائد إلا إياه ولا يسألون العون و لا يرجون الغوث ولا يطلبون المدد إلا من الله ولا يعتمدون في كل شأن من شؤونهم إلا عليه سبحانه ولا يخافون أحدا سواه وذلك هو التوحيد الخالص والإيمان الكامل الذي رفع الله به أقواما فجعلهم في الخير قادة منهم بلال الحبشي وصهيب الرومي وخفض به أقواما نبذوا واتخذوه ورائهم ظهريا مثل أبي جهل وأبي لهب وغيرهما من أئمة الكفر وصناديده وأولياء الشيطان الذين حق عليهم وعيد الله لهم بقوله( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) وكما تنزهوا عن الشرك فقد تنزهوا عن الفساد في الأرض الذي يتجلى في استباحة الدماء المحرمة وقتل الأنفس المعصومة وعن العدوان على المجتمع بانتهاك الأعراض المتمثل في أقذر وأفحش صوره في جريمة الزنا فان من تلوث بأرجاس الشرك أو استباح قتل النفس التي حرم الله قتلها أو اقترف فاحشة الزنا فسوف يلقى جزاء إثمه وما اقترف من ذنب عذابا مهينا مضاعفا في نار جهنم يوم القيامة إلا إن تقدمت منه توبة نصوح في الدنيا فاقلع عن ذنبه وندم على ما فرط منه وعقد العزم على إلا يعود إليه وأدى المظالم وأعاد الحقوق إلى أهلها وزكى نفسه بالصالحات فان الله يقبل توبته ويعفوا ويتجاوز عن عقابه بل ويتفضل بثوابه رحمة منه وجودا وإحسانا فتنقلب السيئات الماضية بنفس هذه التوبة النصوح حسنات لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار \". وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن أهل العلم قسموا الصفات التي وصف الله بها عباد الرحمن في ختام سورة الفرقان إلى أربعة أقسام قسم منها هو من التحلي بالكمالات الدينية وهي التي بدا بها من قوله سبحانه ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) وقسم هو من التخلي عن ضلالات أهل الشرك وهو من قوله عز اسمه ( والذين لا يدعون مع الله اله أخر ) وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام وهو قوله ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) وقوله ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ) وقوله ( ولا يقتلون النفس ) إلى قوله سبحانه ( والذين لا يشهدون الزور ) وقسم من طلب الزيادة في صلاح الحال في هذه الحياة وهي قوله ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين أماما). ودعا الدكتور الخياط المسلمين إلى التأمل في هذه الصفات الكريمة والسجايا العظيمة ودوام الحرص على التحلي بها والتخلي عما يضادها لأن في ذلك الفلاح والفوز والنجاة ( اؤلئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنة مستقرا ومقاما).