تصدرت الصحف الدولية خلال مايو/أيار الحالي عناوين تتعلق بإمكانية أن تتجاوز الصينأمريكا لتصبح الاقتصاد الأكبر في العالم في فترة لا تزيد عن نهاية السنة الجارية، منهية بذلك سيطرة أمريكا المستمرة منذ 125 عاما على الاقتصاد العالمي، ولكن الحقيقة قد تكون أبعد من ذلك بكثير، وأمريكا ستحتفظ بصدارتها الدولية. ولنشرح ذلك بالتفصيل نقول إن العناوين السابقة استندت إلى تقارير صادرة عن "برنامج المقارنات الدولية" التابع للبنك الدولي، والذي قال إن الاقتصاد الصيني ينمو بسرعة فائقة إذ قفز عام 2011 إلى 13.5 ترليون دولار، ما يعادل 87 في المائة من الاقتصاد الأمريكي الذي يبلغ 15.5 ترليون دولار، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الاقتصاد الصيني ينمو بسرعة تفوق بثلاث مرات نظيره الأمريكي، فهذا يعني أنه سيتجاوزه نهاية العام الجاري. ويستند البرنامج الدولي في تصنيفاته على ما يعرف ب"معيار القوة الشرائية" والذي لا يحتسب مقدار المال الذي يمتلكه الشخص بل القدرة الشرائية لذلك المال، وبالطبع فإن الكثير من السلع والخدمات في الدول النامية تعتبر رخيصة بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ولكن ذلك المعيار يتعرض لانتقادات شديدة، خاصة وأن الدول تحصل على السلع من الأسواق العالمية وفق أسعار الصرف الدولية، وبالتالي فلا حاجة للمقارنة بين الدول على أساس القدرة الشرائية المحلية، فإذا رغبت الصين باستيراد أسلحة أو هواتف ذكية أمريكية أو سيارات ألمانية فسيكون عليها فعل ذلك بأسعار صرف دولية. وبمعايير أسعار الصرف الدولية، فإن الاقتصاد الأمريكي مازال هو الأكبر عالميا، وبفارق كبير عن نظيره الصيني يصل إلى حد الضعف، إذ يبلغ حجم الاقتصاد الأمريكي، مع مراعاة أسعار الصرف، 16.2 ترليون دولار، في حين يبلغ حجم نظيره الصيني 8.2 ترليونات دولار، أي أنه يبقى أصغر من الاقتصاد الأمريكي، حتى إن أضفنا إليه الاقتصاد الياباني الذي يبلغ حجمه ستة ترليونات دولار. والغريب في الأمر أن الصين نفسها لا ترغب في أن تصبح الاقتصاد الأكبر في العالم، فقد سارع مكتب الإحصائيات الوطنية الصيني إلى انتقاد الأرقام الصادرة عن البنك الدولي، معربا عن تحفظاته عليها. أما السبب الذي دفعه إلى ذلك فهو على الأرجح رغبته في تجنب أن تكون الصين في دائرة الضوء وتتحمل بالتالي مسؤولياتها كدولة غنية وعظمى على المستوى الاقتصادي، وما يترتب على ذلك من تنازلات ستضطر للقيام بها على الصعد البيئية والتجارية كما تفعل الدول الغنية، إلى جانب أن الصين تبقى فعلا دولة فقيرة على مستوى الدخل الفردي، إذ تحتل المركز 90 خلف دول صغيرة مثل بيرو.