فور خروج ناشر ورئيس تحرير صحيفة الان الكويتية من السجن بعد أن أيدت محكمة الاستئناف عقوبة سجنه مدة شهر (خفضت للنصف) كتب الصحافي زايد الزيد تجربته بسجن الكويت جاءت على شكل مادة صحفية كشف من خلالها الكثير من الأسرار خلف القضبان .. 13 يوما: الأيام الثلاثة عشرة التي قضيتها بالسجن هي تجربة ثرية بالنسبة لي على المستوى السياسي والاجتماعي وحتى الأسري، وهي واحدة من المحطات الرئيسة في حياتي على الرغم من قصر مدتها الزمنية، ولقد تعرفت على جوانب من حياة السجن والسجناء ما يكفي للكتابة عنها مطولاً، وربما هذا ما سيكون مستقبلاً، لكن هنا سأكتب أو سأدون لمحات سريعة من هذه التجربة، فاليكم بعضها: تواصل مع الخارج كنت أتصور قبل دخول السجن، ان السجين تنقطع اتصالاته عن العالم الخارجي بمجرد دخوله السجن، لكنني سرعان ما اكتشفت عكس ذلك، فهناك صحف يومية توزع على الزنازين وهناك تلفزيونات، وأيضاً يمنح السجين يومياً سبع الى عشر دقائق للاتصال هاتفياً بمن يرغب، وهذه الأشياء مجتمعة تجعل السجناء على اتصال وعلم بما يدور خارج أسوار السجن الى حد ما، عكس ما هو متصور عندي وربما عند كثيرين غيري.. عنابر وزنازين باعتبار ان قضيتي جنحة وليست جناية، فانني أودعت بالسجن العمومي، وهو مخصص لسجناء الجنح وأيضاً لمن هم موقوفون على ذمة جميع القضايا، سواء كانت جنحاً أو جنايات، لكن حالما تصدر الأحكام بالسجن على الموقوفين على ذمة الجنايات فانه يتم ترحيلهم الى السجن المركزي. والسجن العمومي يحتوي على ستة « عنابر» وكل « عنبر» يحتوي على أربع زنازين، وكل زنزانة تتسع ل 22 سجيناً ويوجد بها مطبخ صغير ودورتا مياه، وأتصور ان طول الزنزانة بحدود عشرة أمتار بينما عرضها لا يتجاوز الخمسة. وكنت نزيلاً في «العنبر» الثالث، وفي الزنزانة رقم 3، وكان عددنا فيها 16 سجيناً تقريباً، وأقول «تقريباً» لأن الأعداد تتغير في الزنازين سريعاً وبشكل يومي بسبب الافراج عن سجناء أو ترحيلهم للسجن المركزي، في مقابل دخول سجناء جدد.. مختلفون لكن متكاتفون الشيء الجيد في السجن أن العنابر والزنازين تختلط فيها العديد من الجنسيات، فالزنزانة التي كنت أقبع فيها - على سبيل المثال - كانت تحتوي على أحد عشر كويتيا ومصري وسوري ويمني وسعودي وباكستاني، وفي ظني ان هذا التنوع يخلق حالة من الهدوء والتوازن بعكس الحال لو كانت العنابر او الزنازين مقسمة حسب الجنسيات. وفي زنزانتنا رقم (3) كان التعاون والتكاتف يطغى على الاختلافات السياسية والفكرية والمذهبية التي تظهر بيننا، فرغم بروزها بين الحين والآخر، الا أن الجميع يحرص على أن تظل في حدود «الاختلاف» ولا تنتقل الى دائرة «الخلاف»، حتى انه كثيراً ما نشهد خواتيم الجدل والنقاش تتحول الى ضحك ومزاح، وأظن أن العقل الباطن لدينا كسجناء يدفعنا لمثل هذا التآخي والتكاتف لأننا نجتمع في هم واحد مشترك هو كوننا سجناء، الأمر الذي يبدو انه ينسينا همومنا الأخرى ويقمع بداخلنا اختلافاتنا أو يهذبها على أقل تقدير. سجناء عاملون ورائعون الأمر المزعج بالنسبة للكثير من السجناء هو عدم انتظام النوم في الزنازين، فبسبب الفراغ وكثرة النزلاء في الزنزانة الواحدة، وبسبب عدم اطفاء الأضواء بتاتاً طوال اليوم، فانه لا وقت محددا ولا منتظما للنوم، وأكثر من يعاني من هذا الأمر هم النزلاء العاملون في ادارة شؤون السجن كونهم ملتزمين بمواعيد منتظمة ومحددة للعمل، وربما يستغرب الكثيرون من هذا الأمر، وأنا كنت أولهم، فلم أكن أتصوره بتاتاً هو أن السجناء هم من يديرون الكثير من شؤون السجن وتفاصيله، فلكل زنزانة (غرفة) مسؤول، وهذا المسؤول هو واحد من سجناء تلك الزنزانة، ولكل «عنبر» مسؤول وهو واحد من مسؤولي الزنازين، كما ان السجناء مسؤولون عن ممرات السجن التي تربط «العنابر» بالعيادة الطبية والعيادة النفسية والاجتماعية و«الكانتين» ومكاتب ادارة السجن، وهم مسؤولون عن توزيع الوجبات الغذائية على «العنابر» وعلى إيصال السجناء للعيادات، وعن غيرها من المهام الروتينية كفتح ساحة الفسحة واغلاقها وادارة مصليات «العنابر»، والحقيقة ان المرء ليعجب من الهمة والنشاط اللتين تتملكان كل واحد من هؤلاء السجناء العاملين في ادارة شؤون السجن، فهم مثابرون بشكل كبير، ومنتظمون بشكل أكبر، ومتعاونون مع الجميع بشكل رائع، يراعون احتياجات السجناء ويساعدونهم قدر ما تسمح به النظم، ووالله اني لأعجب من قدراتهم في استيعاب السجناء واحتوائهم على الرغم من تنوع القدرات العقلية والاوضاع النفسية للسجناء، وكثيراً ما كنت أتأمل في أحوالهم، حيث أجدهم يواسون الجميع في مصابهم، بينما لا تجد من يواسيهم او من يخفف عنهم الضغوط النفسية الواقعة عليهم، حتى يتراءى لك أن السجناء يغفلون أن زملاءهم هؤلاء هم سجناء مثلهم ! فتحية لهؤلاء السجناء الزملاء العاملين دوماً بلا كلل ولا ملل. احذروا تأجير السيارات كون السجن العمومي هو مستودع سجناء الجنح، فان معظم نزلائه من المتورطين والمحكومين في قضايا مالية، وأكثرها قضايا «خيانة أمانة» و«شيك بدون رصيد»، وما شكل صدمة جديدة لي أن هناك الكثير من المسجونين بسبب مبالغ مالية بسيطة، ولقد وجدت أن الكثير من قضايا خيانة الأمانة بسبب التأخر في دفع المبالغ المستحقة لشركات تأجير السيارات، والمصيبة ان بعض المسجونين كانوا قد دفعوا كل ما عليهم من مبالغ للشركات ولكن بعد تسجيل القضايا عليهم، والجهل بالاجراءات بالقانونية حال دون استكمال اجراءات التنازل عن القضية، وقد ظن هؤلاء ان مجرد دفعهم لتلك المبالغ يسقط القضايا المرفوعة عليهم تلقائياً، واذا بهم يفاجأون بأحكام سجن غيابية صادرة عليهم من دون ان يعلموا عنها شيئاً! أما قضايا الشيكات بدون رصيد فوجدت أن معظمها كانت جزءا من أعمال تجارية حقيقية ولكن بسبب تعثر الموارد تجد أن أصحاب هذه القضايا يغرقون في الديون ومن ثم يدانون بسبب تلك الشيكات الخالية من الارصدة، ما أريد أن أقوله ان معظم قضايا الشيكات بدون رصيد لم يكن أصحابها نصابين يحترفون عمليات الاحتيال على الناس بل انها كانت ادوات ديون في اعمالهم التجارية، وهناك فرق كبير بين أن يكون الشيك بدون رصيد جزءا من عمل تجاري وبين ان يكون أداة احتراف في النصب والاحتيال، لذلك فإن معظم دول العالم لا تجعل من السجن عقوبة للشيك بدون رصيد حتى لا يتعثر عالم التجارة والمال عندهم، ومن يتضرر من الشيك بدون رصيد يلجأ للقضاء المدني وليس الجنائي. مشاعر متناقضة حالة الافراج عن أحد السجناء تشهد متناقضات في الحالة الشعورية لدى كل من المفرج عنه ولدى بقية السجناء، فما أن يُبلغ أحد بأنه تم الافراج عنه فان مشاعر الفرح لديه لا تكون - ساعتها - مكتملة، ذلك أنه يراعي بشكل تلقائي وعفوي مشاعر زملائه القابعين في السجن، كما ان زملاءه بقدر فرحتهم بخروج زميل لهم إلى فضاء الحرية، فأنك ترى في عيونهم بعض الشعور بالحسرة لفقدهم وجود زميل لهم كان يشاركهم ويشاركوه المأكل والمشرب والهموم ! كما أظن أن كل سجين حينما تتوالى الافراجات تباعاً عن زملائه في الزنزانة، أظنه يشعر بخوف ان يكون هو آخر من سيفرج عنه، هذه المشاعر مجتمعة تسيطر على مشهد الافراج عن احد السجناء في الزنزانة الواحدة، وهي حقيقةً أصعب ما يكون، وتظل محفورة بالذاكرة لدى الجميع سواء عند المفرج عنه الذي سيكون حراً طليقاً بعد ساعات أو لدى المنتظرين! المقال الذي سجن بسببه ناشر صحيفة الآن الكويتية زايد الزيد فاسدون يتحدثون عن الفساد ! طبعا لم أستغرب حينما رأيت مشاركة النائب والوزير السابق الدكتور عبدالمحسن المدعج في ندوة لمحاربة الفساد قبل أيام ، كممثل عن التحالف الوطني الديمقراطي ، ومبعث عدم الاستغراب يأتي من كوننا نعيش في واحدة من أسوأ مراحل الدجل السياسي ، فالدكتور المدعج كانت شركته واحدة من بين خمس شركات فازت بحصة من مشروع المصفاة الرابعة المقبور ، بسبب الفساد الواضح للمشروع ، والذي كشفه الأستاذ حسام التنيب مدير الادارة القانونية السابق في ديوان المحاسبة بكل شجاعة ، في مذكرة محكمة ، قدمها لرئيس الديوان الراحل براك المرزوق ، وأقره على ماجاء فيها ، قبل وفاته بأيام معدودات رحمه الله رحمة واسعة .. والدكتور المدعج لم يلتفت للفساد الذي تعج به ' العزبة الخاصة للاستثمار ' الذي هو أحد أعضاء مجلس ادارتها ، بل أنه لم يكترث للتجاوزات والمخالفات المالية الكبيرة التي كشفها أعضاء مجلس ادارة نقابة الهيئة العامة للاستثمار ، الذين ضحوا بالمناصب من أجل خدمة وطنهم في المحافظة على المال العام ، وقد كان شباب النقابة يتأملون في الدكتور المدعج وزميله في مجلس الادارة هلال المطيري خيرا أكثر من غيرهما ، وذلك لكونهما ينتميان إلى تيار سياسي يرفع شعار ' المحافظة على المال العام ' ، من بين الشعارات التي يرفعها ، ولكنهما ( المدعج والمطيري ) أثبتا بالدليل والبرهان أن مسألة الدفاع عن المال العام ، بالنسبة للتحالف الوطني الديمقراطي ، ليست سوى ' ادعاءات ' ، لاتمت للواقع بأي صلة !! لقد أصبح الدجل السياسي عندنا على أشدّه ، فجماعة ' التحالف ' منغمسين بالفساد ، ويتحدثون عنه بكل تبجح ، فهم يحصلون على المناصب القيادية لأتباعهم من غير وجه حق ، كما حصل مع صلاح المضف نائب أمين عام تجمعهم ، في تسلم ادارة بنك التسليف ، والذي ظلم بسببه الاستاذ صايد الظفيري الأحق والأجدر بالمنصب ، ومع ذلك يتحدثون عن فساد الحكومة ؟ ويحصل الدكتور المدعج وهلال المطيري على عضوية مجلس ادارة ' العزبة الخاصة للاستثمار ' ، ويسكتون عن كل فسادها ، ويتنعمون بالمكافئات الضخمة والمزايا المتعددة ، وبالسفرات المرفهة على حساب المال العام ( الهيئة الوحيدة في الكويت التي يعقد مجلس ادارتها بعض اجتماعاته خارج الكويت ) ، ومع ذلك يتحدثون عن الفساد ؟! ولايطالبون وزيرهم الهارون ولا الوزير المقرب منهم هلال الساير بالاستقالة بعد زلزال فضيحة الايداعات المليونية ، ويتحدثون عن فساد الحكومة ؟! ولايطالبون بتطبيق القانون على صالح الفلاح الذي تجاوز السن القانونية في العمل لأنه من ' خاصتهم ' ، ويتكلمون عن فساد الحكومة ؟! ولايطالبون بإيقاف وكيل ديوان المحاسبة عبدالعزيز الرومي ، والوكيلين المساعدين اسماعيل الغانم وعصام الخالد عن العمل ، رغم اتهامهم في النيابة العامة بالضلوع في المشاركة والتستر والتزوير في فضيحة سكراب طواريء 2007 ، ومع ذلك يتحدثون بكل تبجح عن فساد الحكومة ؟! ويشاركون في محاولة تمرير صفقة طائرات ' رافال ' الفرنسية ، على الرغم من كل الفضائح التي رافقت سير الصفقة ، وعلى الرغم من الدور المشبوه الذي يلعبه الوسيط ' بشار ' في هذه الصفقة وفي غيرها من أعمال مشبوهة ، ويتحدثون عن فساد الحكومة ؟! كما انهم سكتوا عن فضيحة رشوة ' سيمنس ' ويتحدثون ايضا عن فساد الحكومة ؟! و ' شاركوا ' في كل مشاريع و صفقات الفساد مثل ' المدينة الاعلامية ' و' المكلسن ' و ' جسر جابر عبر هيونداي ' و أجزاء من مشروع جامعة الشدادية ، وأيضا يتحدثون عن فساد الحكومة ؟! فهل هناك دجل سياسي أكثر من هذا ؟! أنا شخصيا لا أعتب على الفاسدين ، فهذا منهجهم وديدنهم ، وهم يعتبرون أن مسلكياتهم تلك ماهي إلا ' شطارة ' للفوز بالأموال الفاسدة ، وبلعب دور ' الشرفاء ' ، في آن واحد ، وهم يتفاخرون فيما بينهم بالضحك على الشعب الكويت ، لكنني أعتب على من يصدقهم وعلى من يشركهم في الحراك السياسي المعتمل حاليا في البلد ، من أجل ' تنظيفهم ' ، ولايعلمون بأن ' الفاسدين ' يلوثونهم !!