أمام مدخل بلدية فارنا شرق بلغاريا مئات الشموع وباقات الزهور تسد المدخل، حدادا على "بلامن غورانوف" البالغ من العمر 36 عاما، وتوفي بعد إضرام النار في نفسه، وبات رمز الاحتجاجات ضد "فساد النخب السياسية". وحول صورة بلامن المتسلق والفنان بشعره الطويل وابتسامته الهادئة والذي يعني اسمه "لهب"، بدت كتابات على بلاط الرصيف من بينها "أشعلت شجاعتنا وحبنا للحرية"، و"تضحيتك ستقودنا إلى النصر"، و"المافيا تدمر بلغاريا". ومن هذه العبارات أيضا "أنت يان بالاش الخاص بنا"، في إشارة إلى الطالب التشيكي الذي أحرق نفسه عام 1969 احتجاجا على الاحتلال السوفياتي بعد قمع "ربيع براغ". وتوفي بلامن غورانوف الأحد بعد أن أضرم النار في نفسه في 20 فبراير أمام بلدية فارنا، مطالبا باستقالة رئيس البلدية المحافظ كيريل يوردانوف الذي يتولى منصبه منذ 14 عاما والمتهم بالفساد. وفي اليوم نفسه قدم رئيس الوزراء المحافظ بويكو بوريسوف استقالة حكومته. وقال إيلاريون أنانييف (25 عاما) وهو أحد المنظمين غير الرسميين لحركة الاحتجاج: "استقالة الحكومة لا تغير شيئا. ينبغي أن يتمكن المجتمع المدني من مراقبة كل شيء: الاحتكارات والانتخابات والمؤسسات". وقالت صديقة القتيل رادوستينا بتروفا: "بلامن كان عظيما، خط لنا الطريق"، فيما جلست أرضا محدقة بالشموع. وقالت صحيفة المعارضة في فارنا نارودنو ديلو الثلاثاء: "بلامن انطفأ لكن شعلته حية". وصرح مدير معهد الدراسات الإقليمية والدولية في صوفيا أوغنيان مينتشيف لوكالة "فرانس برس": "بات بلامن غورانوف رمزا وطنيا كشف أن الديموقراطية في بلغاريا التي تسيطر عليها طبقة أوليغارشية ما بعد الشيوعية، ليست إلا في المظاهر". وفيما يوشك رئيس البلدية على الاستقالة شدد مينتشيف على أهمية التعبئة المدنية "لمنع وضع دمى مجددا لإدارة المدينة". وتعتبر فارنا أهم مرفأ بلغاري على البحر الأسود، وهي مكان انطلاق احتجاجات عارمة ضد الفساد والفقر قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، هي الأكبر في البلاد. ومنذ إحراق غورانوف نفسه حمل المتظاهرون ملصقات تحمل صورة شعلة لهب في إشارة إليه. وصرح مهندس المعلوماتية رادوسلاف راديف (25 عاما): "كان غريب الأطوار لكنه أول من كشف من يمنع كل محاولة لبدء نشاط اقتصادي مستقل في فارنا". وتحدث تقرير للسفارة الأميركية عام 2005 نشر على موقع "ويكيليكس" عن شركة قابضة تعرف باسم "تي آي إم"، وأسسها في فارنا قدامى فرقة نخبة في البحرية عام 1990 وهي من الأكثر نفوذا في بلغاريا، مشيرا إلى نشاطات إجرامية وراء ثرواتها. وللشركة مصالح متنوعة في الصناعتين النفطية والكيميائية والنقل الجوي والبحري والمال والتأمين والإعلام والتجارة والسياحة. وقال مينتشيف المتحدر من فارنا: "(تي آي إم) كالأخطبوط، تخنق الاقتصاد وتدمر الطبيعة وتجرم الحياة السياسية"، وهي أقوال أقر بها نائب من فارنا وعضو في الحزب المحافظ الحاكم هو بافيل ديميتروف قائلا: "لا شيء يحصل في فارنا من دون (تي آي إم)". وأكد أنانييف أن "رئيس البلدية لا يفعل إلا تنفيذ أوامر (تي آي إم) وإعادة انتخابه تجري بالتزوير". وفيما كان سكان فارنا يحيون ذكرى بلامن غورانوف سجل غرق رجلين في البحر خلال 3 أيام، بعدما قفزا من جسر. ومنذ بدء التظاهرات أحرق بلغاريان نفسهما بسبب اليأس والفقر في 18 و26 فبراير، وتوفي أحدهما وكان في السادسة والعشرين من العمر، بينما ما زال الثاني البالغ من العمر 53 عاما في حال حرجة.