كانت السيارة تسلك طريق السفر الطويل... وقد تجاوز الإبن الذي كلف قيادتها حد السرعة المسموح به .. داخل السيارة كان يعج بصخب الأسرة السعيدة , وهو أشبه ما يكون بقاعة احتفال تحتضن الأب والأم وأبنائهم العشره... كان الأب ينادي أبنائه ويمازحهم, والأولاد يتبادلون النكات, وضحكات البنات تتعالى, ومحيا الأم يكتسي بالبهجة والسرور, وهي تتمتع بمرئى الأبناء وأبيهم, وتطرب أذنيها بسماع أصوات صراخهم, وضحكاتهم.. فجأة ينفجر الإطار ... واذا بالسيارة تنفلت من يد السائق, منطلقة كالرصاصة نحو الطرف الآخر من الطريق, فتهوي في جانبه متقلبة حول نفسها بضع مرات... سكنت الأصوات, وخفت صوت المحرك, إلا من خرير النفط, الذي يتسرب من خزان الوقود... ساد صمت مطبق حول ذلك المكان المرعب, الخالي من كل شيئ, إلا من حر شمس الظهيرة اللاهب.. ماهي إلا دقائق إلا وخرج صوت أنين من بين الحطام المتناثر... ثم انطلق صوت بكاء من فتاة فجعت من هول الموقف.. قامت تلك الفتاة تنظر وتتأمل حولها , فماذا رأت؟... انها ترى حالا ليس كالحال الذي كانت تعيشه قبل لحظات, وكأنها غطت في النوم ففاجأها كابوس مرعب.. نظرت فرأت والدها الذي كان يتبادل معهم النكات قبل قليل مرميا هناك... ووالدتها, واخوتها وأخواتها قد تناثروا يمنة ويسره... إنه من اشد المناظر رعبا وإذهالا... موقف يدخل من عاشه في ظلمات الأحزان والذكريات الأليمه.. صرخت الفتاة المكلومه وتألمت فلم تسمع مجيبا.. عاشت لحظات رعب رهيبه ولم ترى مغيثا.. سمع أخوها الذي يئن من ألمه, فجيعة أخته المسكينه... فأدرك هو الآخر ماحوله, وما صار اليه حال أهله, فغرق في بكاء هستيري صاخب... حاول ان يتحامل على نفسه, زاحفا يجر وركه المسكور نحو أخته, كي يهدئ من فجيعتها ويواسيها, فما أن رأته الأخت, حتى ارتمت بجانبه , فعلا البكاء بينهما فوق تلك الرمضاء الحارقه... بعد وقت... احتشد الناس لتقديم العون للأسرة المكلومة, فعلى الصخب في المكان , وجاءت الشرطة وسيارات الاسعاف... نقل الأخ وأخته الى المستشفى.. لقد مات الأب, وماتت الأم , ومات كل الأبناء والبنات في هذا الحادث, ولم ينجو من تلك الأسرة سوى هذا الابن ذي الثمانية عشر ربيعا,وأخته ذات السادسة عشر... في المستشفى كانت مأساة تتقطع لها القلوب, حيث دخل الإثنان في نوبة بكاء مرة, حين ادركا بأن اهلهما لن يأتي معهما الى المستشفى ليتعالجا, بل ذهب بهم جميعا الى ثلاجة الموتى في المستشفى.. لقد فقدا والدهما المرح الضحوك... وأمهما الطيبة الحنون... وكافة أحبابهما ورفقائهما من الإخوان والأخوات... انتهت أسرة بكاملها, ولم يتبقى منها سوى هذين البريئين, اللذين سيقضيان باقي حياتهما يتجرعان المآسي والأحزان والذكريات الأليمه.. في لحظات انقلب الحال من حال الى حال... انها السرعة, والسيارات , والطرق في بلادنا... التي ابكت كثيرا من الأسر وأحزنتها, وستبكي آخرين.. إن مايتحمله انسان هذه البلاد من تبعات ومآسي بسبب الحوادث, ربما تكون من أعظم ماقد يمر به بشر في أي بلد في العالم.. على من يقع الخطأ في ذلك؟! هل هو على قائد المركبه؟!.. أم على المسؤول الذي جعلنا نصارع الموت في أحضان هذا الاخطبوط الأسود" الطرق"... فلم يهيئ لنا وسائل المواصلات الآمنه للسفر, كحجوزات الطائرات الميسره, أو شبكة القطارات الممتدة بطول البلاد وعرضها, أسوة بكل الدول الغنية.. نعلم ان كل أمر بقدرمن الله تعالى, وكذلك نعلم بأن الله أمرنا بتجنت التهلكة وتدبر الأفضل.. تركي الربيش [email protected]