أبدأ حديثي هذا والذي أعبر من خلاله عن شيء مما يجيش في النفس لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ولي العهد بالدعاء له بالرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته، وأرفع أحر التعازي لمقام خادم الحرمين الشريفين وكافة أفراد الأسرة المالكة الكريمة وأفراد الشعب السعودي الكريم وللأمة الإسلامية جمعاء. بوفاة سمو الأمير نايف رحمه الله تختتم مسيرة صالحة مليئة بالعطاءات لرجل عظيم كرّس حياته وبذل وقته لخدمة الدين وولاة الأمر والوطن وأهله، فالمطلع على سيرة سموه الحافلة والممتدة لأكثر من ستين عاماً في الشأن العام يتضح له حجم هذه الشخصية الإسلامية والوطنية التي فجعنا بوفاتها؛ فسمو الأمير نايف لم يكن مسؤولا فحسب؛ بل كان شخصية فريدة من نوعها تمتثل منهجا شرعيا ووطنيا فريداً، جمع رحمه الله بين الحنكة والحكمة والسياسة وسداد الرأي وبعد النظر والثقافة؛ كلماته وخطبه ومواقفه وأوامره يمكن أن تدّرس كمنهج يرتكز على ثوابت الدين الإسلامي والقيم العربية الأصيلة والقيادة الإدارية، ولو قلّب المرء نظره في صفحات مسيرة هذه الشخصية الكبيرة لطال به المقام؛ لكثرة مواقفه الفريدة ، وسجاياه الحميدة وصفاته الجميلة التي تعد أنموذجا في العمل والإدارة. اضطلع سموه رحمه الله بمهام وزارة الداخلية منذ عقود فكان نعم القائد الأمين الذي أشرف على المؤسسات الأمنية المتعددة بفكره الثاقب الذي حول المؤسسات الأمنية إلى مؤسسات تضبط الأمن وتبسطه بدون تعدي، وتنفذ أحكام العدل وفق الضوابط والأنظمة وفق منهج مؤسسي قلما نجده في دولنا العربية، كل ذلك تحقق بفضل الله تعالى ثم بحنكته وإدارته وإشرافه. وأعمال سموه الرسمية والتي يغلب عليها الجانب الأمني لم تنسه دوره في خدمة الدين ونشره؛ كيف لا وهو ابن المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله الذي كان همه خدمة الدين وتحكيم الشريعة ونصرة المسلمين في كل مكان؛ فكان لسمو الأمير نايف رحمه الله إسهاماته الجليلة في إنشاء الكراسي العلمية لخدمة الإسلام في عدة جامعات ومراكز علمية وبناء المساجد في عدة دول بالعالم، كما تولى سموه الإشراف على الهيئة السعودية العليا لجمع التبرعات في عدة دول إسلامية حلت بها الكوارث المتنوعة؛ في الشيشان وكوسوفا وسريلانكا وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان والصومال ، أو كارثة تسونامي في أندونيسيا ؛ حيث قدّمت هذه الهيئة معونات كبيرة كان هدفها الأول تقديم الخير المتنوع للمتضررين بإشراف مباشر من سموه رحمه الله؛ ليقدم من خلال ذلك رؤية المملكة العربية السعودية التي تقدم الخير وترعاه وتنشر الإحسان وتمتثل به في أمورها؛ مما أسهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية الصحيحة في تلك البلدان. ومن جانب آخر فإن إطلاق سموه للجائزة السنوية الكبرى التي تحمل اسمه لخدمة السنة ونشرها واتخاذ أمانتها للمدينة المنورة مقرا لها يؤكد على بُعد نظره رحمه الله في التفرد بجائزة جميلة المعنى والدلالة والمضمون؛ لتخدم مصدر التشريع الثاني وتعكس هوية هذا البلد الذي يؤمن ولاة أمره وأهله أن الوحيين الكريمين - الكتاب الكريم والسنة المطهرة - هما مصدر فخرهم وعزهم. فاسأل الله جل وعلا أن يرحم سمو الأمير نايف وأن يجعل جنة الخلد مقره ومآله، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته، وأن يخلف على الأمة والوطن خيرا، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون. عبدالسلام بن صالح الراجحي الأمين العام - إدارة أوقاف صالح عبدالعزيز الراجحي