منذ قديم الازل وبداية فجر التاريخ والمملكه حلقة الوصل بين شرق قلب العالم وغربه، وهي الشريان التاجي الذي ربط بطين الحضارات القديمة الأولى الأيمن ببطينها الأيسر. ولو أفصحت الرمال عمّا تحتها لوجدنا في الجزيرة العربية حلقة الوصل المفقودة بين شرق حضارات العالم القديم وغربه . وأول بعثات إسلامية خرجت من الجزيرة يممت نحو أرض الكنانة ( مصر ) . ومصر الحديثة، بلا مراء، قلب العالم العربي ومهد التنوير فيه. اما عن إسقاطات التاريخ الحديث التي لم تكن وللأسف جيدة قذفت بمصر في مهب رياح هوجاء منعتها من الاستقرار بشكل صحي يضمن لها استمرار مسيرتها بشكل طبيعي يضعها في مصاف الدول المتقدمة، بدءًا بالاستعمار البغيض وانتهاء بالحروب المتتابعة مع إسرائيل. وربما كان الثابت والأهم لمصر هو علاقتها بالجزيرة العربية . عندما قامت المملكه كانت أول زيارة خارجية للملك الموحد بمصر الملك فاروق الذى يفتقده المصريون الان , وبالرغم من رغبة عبد الناصر مرارا وتكرار محاولات التوسع التي قام بها المماليك في اليمن والجزيرة العربية ، إلا أن الملك فيصل نسي مشاعر التناحر السياسي بعد هزيمة مصر المدوية في عام 1967م، وأعلن في قمة الخرطوم في العام ذاته مساندته لمصر فى تلك المعركه واودعهما عبر صندوق , لدعم المجهود المصري لتحديث جيشه , وتلا ذلك قطع النفط في حرب 1973م عن الدول المعاديه لهم مما يؤكد قوة العلاقات السعودية المصرية , ويخطئ كل من يعتقد أن أي من الدولتين الشقيقتين تستطيع الاستغناء عن الأخرى. مرت مصر بمرحلة تغيير كبرى، تمثلت في هبة شعبية أسقطت حكم الرئيس مبارك، الذي أثبتت هذه الحركة انخفاض شعبيته بالرغم من شعبيته الكبيرة في بداية حكمه، وبالرغم من مرحلة الاستقرار التي مرت بها مصر في عهده . فالعلاقات السعودية المصرية كانت اكثرا استقرارا شعبا وحكومتا بين البلدين . فالعلاقة بين البلدين علاقة وثيقة ليست علاقه نظام سياسى بنظيره ولكن علاقة شعبا بشعب تجمعهما اصول عرقيه واحدة حيث يعمل بالمملكه ما يقرب من المليونى مصرى والتى تقدر ب15% من نسبة القوى العامله بالسعودية , الى جانب الاستثمارات المتبادله بالمليارات , وأهم من ذلك هناك ثقافة وإرث حضاري مشترك. ولذلك يخطئ من يختزل هذه العلاقة على أنها علاقة بمبارك. وعليه فسقوط مبارك كان يجب ألا يضر بهذه العلاقات التاريخية، ولا ضير في أن المملكة تريد لهذه العلاقة الممتازة أن تستمر مع أية حكومة يختارها الشعب بعد مبارك. وبادرت المملكه في تقديم مساعدات عاجلة لمصر لضمان استقلالية القرارات المصرية عن أي تأثير خارجي. ولم تربط السعودية هذه المساعدات بأية شروط، ولم تقدمها لأي فئة سياسية بل قدمتها لدعم الجنيه المصري، والبنك المركزي. ولا مشاحة من القول: إن استقرار مصر مهم جدًا للمملكة، والأهم منه العلاقات التاريخية المتميزة بينهما ، ولكن الدعم الاقتصادى السعودى لمصر هو الاهم . سقوط مبارك المفاجئ، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية لمصر، وظهور كثير من القوى الانتهازية على الساحة المصرية، أدى لتجاذبات سياسية غريبة، حيث حصلت القوى الدينية على أغلبية في كل شيء تقريبًا ( البرلمان، الانتخابات الدستورية ) وربما الرئاسية قريبًا. هذا الأمر فاجأ الجميع، والمصريين على وجه الخصوص ، حيث رأى البعض في ذلك نهاية للوسطية والاعتدال التي عرفت بها مصر. وهذا ما آخر تسليم السلطة، ضمانًا للديمقراطية، وحتى يتم التأكَّد من عدم الانفراد بها مستقبلاً من قبل فئة بعينها. وفي ظل هذه التجاذبات ظهرت قوى دوغمائية مأجورة لا تفرق بين الأصدقاء والأعداء، وصوروا الدعم السعودي لمصر في السابق على أنه دعم لمبارك، علمًا بأن المملكه لم تدعم مبارك شخصيًا بجنيه واحد، وكانت جميع المساعدات تذهب للاقتصاد المصري مباشرة، والمملكه لم تمتن في ذلك على أحد، وإنما كانت ترى في استقرار مصر استقرارًا للعالم العربي برمته. فكل ما حدث مؤخرا تجاه العلاقات السعودية المصرية مجرد زوبعة في فنجان أو سحابة صيف عابرة يوجد بها رساله هامه للشعب المصري قبل السعودي، فإذا أرادت مصر أن تنزلق مع قوى أخرى في إشاعة عدم الاستقرار في المنطقة فهي حتما أول من يتأثر بذلك. وكل ما نتمناه هو أن يسود صوت العقل وتعاد المياه لمجاريها في أقرب وقت، فالضرر في حال الاستمرار في هذا المنزلق قد يفوق تصورات من يحاولون إذكائه بشتى الطرق . عبدالله المهوس