امتطيت صهوة سيارتي في دامس الظلام, الوجهة الصيدلية الهدف حليب ودواء لقطعة من قلبي, في منتصف الزمن بين المنزل والصيدلية تقبع آلة فصيحة لغتها لغة الأرقام تبهجك في آخر خمس من ثلاثين فقط . دنوت منها وضعت في فمها مفتاحها جسست نبض مدخراتي فوجدت الضغط منخفض جداً, عرفت أنني لست في آخر خمس من ثلاثين. قلت لماذا لا أستفسر عن أرقامي مالي وما علي لكل جهات الدولة فمن واجبي الوطني للدولة أن أعطيها حقوقها كاملة فهذا عقد المواطنة حقوق ومستحقات. طلبت الآلة مني رقماً أفتخر به فهو دليل وطنيتي ( رقم الهوية ) مسكين مسكين مسكين من ليس له رقم دارت بي الذكريات وجال بخاطري حديث سابق حصل بيني وأحد الأصدقاء : قلت له : أنا مواطن هنا وضربت بيدي على الطاولة إعلاناً للذات الوطنية . قال لي : أنت رقم في هذا الوطن ولست مواطن ثم قال : أثبت لي أنك مواطن ؟ صراحةً كان السؤال مفاجئاً وجوهرياً ومقلقاً. بحثت في صفحات عقلي برهة فألفيت جميع شواهد الواقع الوطني أقل من أن تملأ مفهوم المواطنة, رجعت في نظري إلى صاحبي فابتسم لي ابتسامة صفراء غليظة . وقال : ألم أقل لك أنك مجرد رقم ؟ حزت في نفسي هذه الجملة فأخذتني العزة بالمواطنة . قلت له : صحيح أن حقوقنا الممارسة واقعياً لا تحمل معنى المواطنة لكن لم نصل إلى مستوى الرقم . قال : يا عزيزي حتى الرقم لم نصل إلى مستواه لغة الأرقام عندنا غير منطقية . قلت : كيف ؟ قال: في وطننا هناك أرقام موارد وأرقام مصروفات ومحشور في وسطها أرقام ما تم تنفيذه, تجد المعادلة مائلة أي أرقام الموارد صحيحة والمصروفات صحيحة والإنتاج ناقص غير موجود, وأتحداك تسأل عن الرقم المفقود . قلت : وما المعنى ؟ قال : نحن لسنا مواطنين ولسنا أرقاماً !؟ قلت : إذاً ماذا ؟ قال : لا أعلم ومن قال لا أعلم فقد أفتى . قلت : من قال لا أعلم فيما لا يعلم فقد أفتى أما في حالتك يا صاحبي من قال لا أعلم فقد خاف . هززت رأسي لأنفض منه هذه الذكرى المحرجة وأعود إلى حيث أكون أمام الآلة, والمطلوب رقم الهوية تراجعت وأخرجت البطاقة خشيت أن تبتلع الآلة رقمي فأتحول إلى ( لا أعلم ). سليمان عبدالله الغنيم كاتب سعودي [email protected]