الثورة الشعبية في سوريا ضد نظام الأسد المستبد أصبحت مقدمة لاشتباك وتناطح سياسي بين معسكرين من القوى الكبرى, تختلف حيثياته عما يبدو في العلن و قد يخفى على كثير من المتابعين. روسيا هددت على لسان رئيسها كل من يتعرض لمصالحها, وأكدت ذلك بإرسال حاملة طائراتها إلى شواطئ طرطوس, وتابعتها إيران ما لبثت تبث رسائل عدوانية لدول الخليج وتقوم بالمناورات تلو المناورات على ضفافها, والأسد ترجم ذلك كله بخطابه التهجمي الأخير ضد شعبه والأمة العربية, وهذه كلها مؤشرات تدل على أن هناك خيارا قد حسم أمره بين المتحالفين . منذ بداية الأزمة لوحظ أن هناك استماتة روسية في الدفاع عن نظام الأسد, وسعيا حثيثا لأجل بقائه بالسلطة مهما كلف الأمر, وتبرهن ذلك بالإمدادات العسكرية لنظامه والدعم السياسي اللا محدود له, والذي تجلى بمواقف روسيا في مجلس الأمن والإيحاء بأنها على استعداد لأن تنقض عشرين قرار يدين النظام السوري , وهنا يحق للمتسائل أن يسأل عن سر هذه الإندفاعة الروسية للمحافظة على نظام الأسد... بالطبع روسيا لديها العديد من الإعتبارات التي تجعلها تتخذ تلك المواقف, منها ما يتعلق بالفقد التدريجي لنفوذها في ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط لصالح منافسيها, والسعي للمحافظة على قاعدتها العسكرية الوحيده في المنطقة, وكذلك الحرص على تفادي الإهانة السياسية الناجمة عن عدم دفاعها عن حلفاءها, إلا أن كل تلك الاعتبارات قد يسهل حلها عندما تتاح لها الفرصة للتفاهم عليها مع زعماء سوريا الجدد, ومن هنا فا اللذي يبدوا بأن هناك محركا ساسيا آخر يدفعها لتلك المواقف في سوريا دون غيرها,وتلك هي العقدة التي صنعها نظام الأسد بنفسه وكان هدد بها,وهي ربما تستعصي على الحل إلا بكسر العظم فيما بين المتخاصمين ... هناك اتفاقية مبرمة مابين نظام الأسد وقطر "ثالث مصدر للغاز في العالم" , تقضي بأن يتم مد أنابيب الغاز القطرية عبر الأراضي السورية ثم التركية وصولا إلى أوربا لإمدادها بالغاز, وتلك الاتفاقية تمت بالترتيب مع الأوربيين اللذين يبدوا أنهم قد قرروا التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي والاتجاه للغاز العربي كمساند له, بغية التخلص من الابتزاز الروسي السياسي والاقتصادي المتواصل عليها منذ عقود , لكن تلك الاتفاقية لم تعجب الروس وأقضت مضاجعهم, لأنهم أيقنوا بأنها ستسلبهم أهم رافد اقتصادي وسياسي لهم, فما كان منهم إلا اقتناص الفرصة حينما سنحت, وذلك عندما عرض عليهم النظام الأسدي إمكانية إلغاء تلك الاتفاقية في مقابل أن تسعى روسيا وبكل ما أوتيت من قوة لدعم بقاء الأسد ونظامه, حتى ولو تطلب ذلك دق طبول الحرب, وعلى هذا تبايع الطرفان, وهنا نلاحظ أن الروس تحولوا لأصحاب قضية, وهذا ما يجعل الأسد طاغيا ومطمئنا لموقفه!... هنا أصبحنا أمام اتفاقية أضحت عبئا على صانعيها وناقضيها وإقليمها المجاور, وأمام مشروعين متنازعين قد لا يستسلم أحدهما للآخر بسهوله, لأن بينهما تشابك مصلحي تنافسي, المشروع الأول وفيه النظام السوري الذي يسعى جاهدا للبقاء, وإيران "ومن يدور في فلكها" الخاسرة التي تحاول تدارك ضياع جهد الثلاثة عقود الماضية في بناء مشروعها الإقليمي, ومن خلفهم روسيا التي ستقاتل عما تزعم أنه حقها في الحفاظ على سلعتها وموقعها السياسي من الغرب, ولاشك بأن هذا نهج ابتزازي وقح يتنافى مع احترام الاتفاقيات بين الدول ومع حرية التجارة, ثم الصين الداعمة سياسيا فقط , أما المشروع الآخر ففيه أوربا التي تدافع عن حظوظها وعن حقها في الحصول على السلعة التي تراها وتشاركها قطر في ذلك, وأمريكا التي ستدافع عن حلفائها في أوربا والمنطقة, وعن منطقة نفوذها السياسي الذي قد تفقده بانتصار المشروع الآخر, وهناك الدول العربية وخاصة دول الخليج التي لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى شعبا عربيا يقتل يوميا بيد نظام تابع متآمر على شعبه وعلى العرب كما أنها لن تقف أمام المشروع الذي يهدد سيادتها وإقليمها الجغرافي, ثم الأهم هنا وهو الشعب السوري المحرك الأساس لكل الخيوط, والذي اتخذ قرارا لا رجعة فيه بالتخلص من نظام الأسد مهما كلف الأمر, حتى ولو أدى ذلك لقيام الحرب, وعلى هذا الإيقاع يتم طبخ تلك القضية في مطابخ السياسة الدولية... هنا ومن تلك المعطيات لنا أن نفهم عدة الغاز أولها سر الحرص العربي للحل داخل البيت العربي والتريث في دفع الملف السوري لمجلس الأمن لحين استنفاذ جميع طرق الحل , والحرص على تجنب التدخل الدولي تحت البند السابع "الذي يتيح التدخل العسكري" , وكذلك سر التفاعل النشط والتسارع الغربي في الطلب للرفع لمجلس الأمن, لأنه يعتبر نفسه كذلك صاحب قضية يجب حسمها دوليا, خصوصا وأن هناك قناعة شبه تامة بأن الأسد أصبح خطرا على المصالح والسلم والاستقرار, ثم نفهم سر التمسك الروسي بحل الأزمة السورية مع بقاء نظام بشار الأسد, والسر في عدم تمكن دول الخليج ذات الثقل الاقتصادي الهائل من الضغط أو إغراء روسيا اقتصاديا لتغيير موقفها في مقابل سوريا. إن ما يحدث يتجاوز مستقبل الأسد ونظامه, فلربما تكون الحرب التي قد تفرض نفسها رغما عن رافضيها, و قد تكون الحل الذي لا مفر منه, وهي إن وقعت فلاشك بأن روسيا هي من سيتحمل وزرها بسبب جنونها الغير محسوب, أو ربما نرى موازنات خاصة بالغرب وروسيا باتفاق مع المعارضة على أن يعطى الروس مطالبهم مع ركل الأسد ونظامه خارج اللعبة, أو ربما يكون الخيار الثالث وهو السقوط المفاجئ لبشار الأسد على يد شعبه وهو أسلم الخيارات, إن لم تحدث الحرب الأهلية التي يعتقد ان فيها نجاته وهو يسعى جاهدا لإشعالها.. ضمير مستتر/ ترك الشعب السوري بيد المشروع الآخر خطأ سياسي فادح, قد ينطبق من بعده على العرب المثل القائل أكلت يوم أكل الثور الأبيض ... تركي الربيش [email protected]