في الأيام الخالية مرَّ عليَّ سوانحُ فكرٍ تأملت فيها عظيم صنع الله وتدبيره، وتقليبه الدنيا بأهلها، يرفع ويخفض ويعزُّ ويذل ويقدِّم ويؤخِّر، وخلال ذلك أمطرتني سحائب الآيات التي ملأ الله بها كتابه العزيز وشرَّفنا بحملها وتلاوتها، لكننا لا نقف عندها كثيراً لنتدبر وليتسلَّل برد اليقين بها إلى أفئدتنا، ثم ينساب إلى جوارحنا... طاف بي قول الله تعالى ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ((الجاثية)، ثم تردَّد في وجداني قول الله تعالى (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) ثم استوقفني قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس ((آل عمران) تقافزت معاني تلك الآيات وغيرها وأنا أرى سرعة التحوُّلات في العالم القريب من حولنا عندما تقلبت الدنيا بأهلها، وترك للناس حرية الاختيار فعبّروا عن انتمائهم لدينهم. وبصرف النظر عمّن يمثل ذلك الاختيار لكنه يرسِّخ أننا في المملكة العربية السعودية على الحق منذ تأسس هذا الكيان، ورَفع راية التوحيد الملك المؤسِّس على أكتافه، يطرق بها أسوار الرياض ثم أشاد هذا الكيان على الملة الصحيحة والعقيدة السليمة والشريعة الكاملة، وجعلها شعاره وسار عليها كل ولاة أمر هذه البلاد، وأسلم لها بالدينونة الناس الذين ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء لدينهم في هذه الجزيرة وتحت هذه الراية. وتتابع العقد ينافح قادته عن الدين ويصبرون على الهمز واللمز والعداوة، حتى جاءت الأحداث وتقلُّبات الدول لتثبت أن خيار أهل هذه البلاد كان الصواب منذ البداية؛ لأنه مرتبط بحبل الهدى، ومؤمنٌ بالعاقبة والجزاء. لقد جالت في خاطري صورٌ من العنت الذي واجهناه في بلادنا عندما رُمينا بالتخلف والرجعية والظلامية، ونعتنا بالوهابية والتيمية والمجسِّمة و و و.. ألفاظ نابية وأحكام جائرة صبرتْ عليها أُمتنا، وحلُم عليها ولاة أمرنا، وتحمَّلنا بسببها التشويه، حتى أتى الله بالبراهين تستلقي أمام الناس لتقول إن بلادنا المملكة العربية السعودية كانت ولا زالت وستبقى -بإذن الله- على الحق وعين الصواب عندما جعلت خيارها الإستراتيجي وفق المصطلح الحديث تبني الدين وجعله القضية المركزية. وهاهو ذا الدين يعود اليوم للواجهة بأيدي الشعوب لكن بعد خسائر ومعارك، بينما بلادنا كانت على الطريق من قبل وسلمت لها ريادتها وتنميتها واستقرارها ... وكل يوم وعام وبلادنا بخير د- عبدالمحسن القفاري