كلُّ مسلمٍ في أي صقعٍ من الأرضِ يستجلبُ مشهدَ البيتِ الحرامِ في كلِّ صلاةٍ وكثيراً كثيراً ما يناجي نفسَه أن يكونَ ضمنَ الذين يتخففونَ من أوزارِهم حولَه ..ويطفئون عطشَ قلوبهم الحرَّى حيثُ ما فتئتْ تهفو إلى البيتِ العتيق .. ويحسُنُ هذا التطلعُ وهذا الرجاءُ في ظلِّ حكومةٍ رشيدةٍ أولتِ الحرمينِ الشريفينِ عنايةً فقأتْ عينَ الحسودِ وأثلجتْ صدورَ المسلمينَ في كلِّ مكان ، وجعلتْ منهما واجهةً تأريخيةً عصريةً تحوطها الهيبةُ والطهرُ وتسهيلُ الصعاب.. وتذليلُ قممِ جبالِ مكةَ لينتعلَ ما تحتها كلُّ عاكفٍ وباد ، وما فِعْلُ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ عبدِ الله بن عبد العزيز أيده الله عنا ببعيدِ المناسبةِ ولا المزامنة .. وبهذا يكتملُ عقدُ الفضلِ ويستديرُ بدرُ التمامِ روعةً حينَ يجدُ المتطلعُ المسلمُ وهو في أقصى الأرضِ حكومةً تولِيه عنايتَها الفائقةَ منذُ مجيئه وحتى يعودُ.. غيرَ أن بعضَ مَن يتولون أمرَ الحجاجِ والمعتمرينَ لم يعودوا بتلكَ الثقةِ التي حمِّلوها ولا الأمانةِ التي أُلقيتْ على رقابِهم . فحالُ الوفودِ التي تأتي من عامةِ الدُّولِ يحتاجُ استقبالُها واستضافتُها والعنايةُ بها أثناءَ وجودِها في أكنافِنا إعادةَ نظرٍ وتكثيفاً للجانِ ومراقبةً لا تقبل التدويخ ولا يعتريها إهمالُ هذا المطوفِ أو ذاك .. كنتُ في أحدِ الساحاتِ الخارجيةِ للمسجدِ الحرامِ وبعدَ صلاةِ العصرِ مباشرةً تقصدُني عجوزٌ من الجاليةِ المصريةِ حيثُ تركتِ السنينُ على مِشيتها وهيئتها أثقالاً لا تَحتمل مزيدا من الهمِّ والضيقِ والكدرِ ..فأخبرتني أنها ضائعةٌ لا تعرف مقرَّ سكنِها فطلبتْ منها تلك البطاقةَ المعلقةَ معها وفيها بياناتها وطريقةُ الاتصالِ بالمطوِّف وظللتُ أعيدُ الاتصالَ وأكررُه على هاتفٍ غيرِ موجودٍ بالخدمةِ أصلا ..وعلى مدى ما يقرب نصف ساعة ..اُضطررت أن أفيدَها بأن لا أحد يجيب ..فا نخرطتْ في بكاءٍ لا يرضاه عاقلٌ لأحد ..فكيف يكون من مسلمة صائمة ..هرمة.. ؟؟! وكم في الحرم وحوله من تائه/ة..ومن مُهمَل على الأرصفة ؟ وكم هو مستوى التوعية بالمناسك وحيثيتِها لتلك الوفود ؟؟ وكم من وافد احتضنته بلادُنا ثم سرَّحته وهو منطبع بسلوكٍ أو إهمالٍ أو بدعةٍ أو ضلالةٍ متعلقة بالحج والعمرة لم يعرفْ من يضعُ يدَه على الطريق القويم ؟ إنَّ الانطباعَ الذي نتركُه على شخصيةِ الحاجِّ والمعتمرِ يجب أن نحسِّن صياغتَه ونجيدُ صيانَته ! ومع كثرةِ الأعدادِ وتباينِ اللغاتِ يبقى الإلحاحُ شديداً بمزيدٍ منَ الجهودِ وإعادةِ النظرِ في الواقع .. الدكتور : فهد بن إبراهيم الضالع [email protected]