أتابع أحيانا بعض المعارك الثقافية التي تنشب بين بعض المنتمين للتيار الإسلامي من طلبة علم ودعاة ، والمنتمين للتيار الليبرالي من مثقفين وإعلاميين ، وأسر بها جدا ؛ لأن الحراك الثقافي – مهما كانت حدته – هو دليل على وجود حياة فكرية في المجتمع ، بعض تلك الصراعات تكون علمية عميقة ، وبعضها تكون أقرب إلى الطفولية بقساوة الألفاظ ، وشناعة الاتهامات بين الطرفين ، ومن واقع رصد طويل استنتجت أن أكثر الإسلاميين عنفا في مهاجمة الليبراليين ، وأكثرهم استعمالا لألفاظ السباب، والاتهامات الشنيعة ليسوا من العلماء المعتبرين لدى الإسلاميين ، أو من المفكرين المرموقين ، أو من المنظرين للأطروحات الإسلامية على الساحة المحلية ، بل هم دعاة لا يحظون بالإجماع عليهم من قبل الإسلاميين ، فلدى قطاع عريض من الإسلاميين تحفظ عليهم إما لضعفهم العلمي ، أو لتحفظ على طرحهم فيما يخص الجانب السياسي ، أو لموقفهم المناهض للحركيين الإسلاميين ، فيكون طرحهم العنيف غير العلمي في مهاجمة الليبراليين استجداء للجماهيرية لدى الإسلاميين ، وبحثا عن الترميز لديهم ، وتعويضا عن جوانب النقص في أطروحاتهم الأخرى . وفي المقابل فإن أغلب من يهاجم الإسلاميين بعنف ، ويصفهم بأوصاف سيئة ليسوا من طبقة المفكرين الليبراليين ، أو من المثقفين المعتبرين لدى الليبراليين ، بل الأغلبية كتاب مقالات يبحثون عن الأضواء . ليست الإشكالية بوجود هذين الطرفين من هواة الجماهيرية ، الإشكالية بشيوع هذا الخطاب المتشنج غير العلمي ، وتأثيره السيئ على الأجيال الشابة في نظرتها للأفكار ، والوقائع ، والأشخاص ، وتأسيس منهجية في النقد تقوم على السباب والهجاء ، والاتهامات . د سليمان الضحيان كاتب وأكاديمي سعودي