الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإنَّ الله امتنَّ على عباده بالإسلام، ورضيه لهم دينًا، وكان أساسُ هذا الدِّين ومنهاجُهُ كتابَ الله وسنةَ نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، وكان من سنة نبينا القولية والفعلية الحرص على جمع الكلمة، وتوحيدها فكان من عمله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته: جمعُ كلمةِ المؤمنين به من المهاجرين والأنصار فآخى بينهم فأذهب الله عنهم – بذلك - عِبَّيَة الجاهلية. وتكاثرت النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم التي تأمر بالجماعةِ وتُثَنِّي بالنَّهي عن الفرقةِ في موضعٍ واحدٍ مع أن الأمر بالجماعة يستلزمُ النَّهي عن الفرقة, والنهي عن الفرقة يستلزم الأمر بالجماعة؛ تنبيهًا على وجوب الأمر بالجماعة وترك الفرقة والنهي عنها؛ فقال الله جل وعلا (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ . وفيها يقول ابن جرير رحمه الله: "يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به وعَهْدَه الذي عَهِدَه إليكم في كتابه من الأُلفةِ والاجتماعِ على كلمة الحقِّ والتَّسليمِ لأمر الله". وقال الإمام القرطبي رحمه الله فيها: فإن الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة؛ فإن الفرقة هَلَكَةٌ والجماعةَ نجاةٌ. ومما رضيه لنا الله ورسوله ثلاثة أمور ذكرها صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...). وهكذا عقل أصحابه من بعده أهمية الجماعة والحرص عليها؛ فقال ابن عباس رضي الله عنهما لسماك الحنفي: يا حنفي الجماعةَ الجماعةَ! ! فإنما هلكت الأمم الخالية لتفرقها, أما سمعت الله عز وجل يقولوَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ )، وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:"يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به, وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تستحبون في الفرقة" وهذا الأمر الرَّباني بالجماعة عامٌّ للأمة في كل زمان وكل مكان؛ أن يكونوا مجتمعين بحبل الله, مبتعدين عن الفرقة في دين الله وعهده الذي عهد إلينا في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى أمره . وقد قدَّر اللهُ لأهل هذه البلاد اجتماعَ كلمتهم على إمامهم ومُقَدَّمِهم في وقته: عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله - وأبنائه من بعده، وإلى وقتنا الحاضر؛ فعاش النَّاس في أمنٍ وأمان وطمأنينة وسلام، وما ذاك إلا بتوفيق الله أولاً، ثم إقامتهم شرع الله في أرضه، وانتظام الرعيَّة في طاعة وليِّ الأمر؛ تحقيقًا لاعتقاد أهل السنة والجماعة التي نشأت عليها هذه البلاد، وكان لها - من فضل الله - النأيُ عن النِّزاعات الفكرية، والاختلافات المنهجية التي عصفت بالمسلمين في أنحاء الأرض. ويتأكد في هذه الأوقات بالذات التأكيد على هذا المبدأ العظيم مبدأ الاجتماع على إمام المسلمين وترك الفرقة والاختلاف؛ سواء أكان بمظاهرات أم بمسيرات أم بكتابة بيانات تنشر على الملأ فيها إلزام لولي الأمر بما ليس يلزمه. وقد شفى علماؤنا أعضاء هيئة كبار العلماء – حفظهم الله - ببيانهم الرَّصين الصدور بإيضاحهم لعامَّة المسلمين في هذه البلاد وغيرها : أهمية الجماعة وضرورتها في قيام دين الناس ومعاشهم وأمنهم، وتفنيد ما قد يعلق بالنُّفوس من شبهات تتناقلها وسائل الاتصال الحديثة، وبينوا المنهج السلفي الصحيح في النصح للحاكم وآدابه؛ فهو ليس كآحاد النَّاس في ذلك. ومما يجب التنبيه عليه أنَّ الإنكار العلني على الحاكم ليس دأب أهل السنة والجماعة؛ بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الرعية على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بينهم، والأمر بالصبر على ما يصدر من الولاة، مع قيامهم بالنصح لهم سرًا، كما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم عنه صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك، وإلا فقد أدى الذي عليه له) ، وهكذا فعل صاحبه وحبه أسامة بن زيد كما عند الشيخين - والسياق لمسلم - ( أن أسامة بن زيد قيل له: ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ قال: أتروني أني لا أكلمه إلا أُسمعكم!! والله لقد كلمته بيني وبينه دون أن افتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه). قال القاضي عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الحكام لما يخشى من عاقبة ذلك؛ بل يتلطف به وينصحه سرًا فإنه أجدر بالقبول. أ. ه ولم يزل وليُّ أمر هذه البلاد ونوابه من أمراء يستقبلون العلماءَ والوجهاءَ والمواطنين يستمعون لهم ويستبصرون بآرائهم الحسنة، وهي من السنن التي درج عليها أهلُ هذه البلاد – حكَّامًا ومحكومين - منذ توحيدها وإلى وقتنا، ولا يخلوا عملٌ من تقصير هنا وهناك، ولكنَّ سبيل التقويم هو سبيل أهل السنة والجماعة في هذه الأمور لا ما يشيعه أهل الأهواء الضالَّة المضلة. ولم تزل أبوابُ ولاتِنَا مفتوحةٌ لكلِّ ناصحٍ، ولو كانَ بغلظة وشدَّة، وقد رأينا ما يَشُقُّ تحمله لولا أنَّ الله سددهم وأعانهم. وإني أوصي الجميع بالحرص على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والتشبث بالجماعة، والاقتداء بسنة من سبقنا من أهل السنة والجماعة؛ تعبدًا لله في ذلك؛ فإنَّ ذلك مما يفرح الأبرار، ويغيض الفجَّار. أسأل الله أن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يوفق ولاتِنَا لكلِّ خير، وأن يَقيَنا شرَّ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، وأنْ يجعلنَا هداةً مهتدين غيرَ ضالينَ ولا مضلين. وصلى الله على نبينا محمد.. ------------------- مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الرياض د. عبدالله بن محمد الشثري