أشعر أن الشيخ محمد العريفي عندما صرح بعزمه زيارة القدسالمحتلة، كان قد فعل ذلك من قبيل الإثارة. وسواء أطلق هذه التصريحات لفتا للانتباه، أو رغبة منه في فتح القدس على صهوة الإعلام، فإن الأمر يستحق النقاش بدل السخرية والاستهجان، مع أنه، بكل أسف، أضعفت مثل هذه الإثارة مصداقية رجال الدين. وسبب لجوئهم للإثارة هو حدة التنافس بينهم في سوق الإعلام، حيث يجتهد كل شيخ ليكسب جمهوره؛ فبعضهم يسهب في فتاوى السياسة والتكفير، وبعضهم يغرق في فتاوى الجنس والنساء، والبعض يدخل في جدليات مجتمعية، وبعضهم يفتي في سفاسف الأمور الحياتية التي تثير السخرية. هذه سلوكيات جديدة دخلت سوق المفتين ورجال الدين، ومن الطبيعي أن تجعلهم هدفا لأحكام الناس عليهم، بعد أن كانوا هم من يصدرون الأحكام على الغير. وبسبب التزاحم على الجماهيرية والإثارة ضاع كبار العلماء التقليديين الذين يحجمون عن المنافسة ويتحاشون سباق النجومية التلفزيونية. بالنسبة للدكتور العريفي، فقد حصل على ما يريد، وصار محط آلاف الأخبار في أنحاء العالم، التي تعلن: شيخ سعودي يريد السفر إلى القدس، والخارجية الإسرائيلية سارعت لمجاراته في رفع الإثارة، فأعلنت أنه يستطيع أن يتقدم إلى سفارتها في عمان لطلب التأشيرة. مع هذا، وبغض النظر عن الهدف، أرى أن العريفي محق في دعوته لإنهاء المقاطعة على القدسالمحتلة. فالعرب، على مدى 4 عقود، خدموا إسرائيل بعنادهم الجاهل عندما قرروا المقاطعة بلا تفكير. بسببها خلت كل فلسطين لنظام الاحتلال يديرها بلا مزاحمة، وترك العرب إخوانهم الفلسطينيين يعاركون لوحدهم، إلا ببعض عبارات التعاطف الرسمية والخطب الإذاعية الحماسية. استمر الإسرائيليون في بناء مستعمراتهم وتوسيع بيوتهم، والفلسطينيون يرحلون بسبب الفقر والحاجة والمضايقة. اضطرتهم الحاجة إلى بناء المستوطنات على أراضيهم المسروقة، لأن العرب منعوا أنفسهم حق الدخول والمشاركة. تركوا كل شيء للإسرائيليين في أغرب سياسة في التاريخ، تلك التي سموها بالمقاطعة من الدرجة الأولى، في الوقت الذي يفترض بهم أن يعتمدوا سياسة المزاحمة من الدرجة الأولى! منعوا تجارهم أن يبيعوا منتجاتهم، ومنعوا شركاتهم الهاتفية أن يفتحوا خطوطهم الهاتفية، ومنعوا سياحهم وزوار مساجدهم، ومنعوا حتى إعلامهم العربي أن يوزع صحفه ومجلاته وكتبه في الأسواق الفلسطينية، لأنهم اعتبروها متاجرة مع الإسرائيليين! عمليا، حاصر العرب الفلسطينيين. وأكثر المناطق التي تستهدفها إسرائيل بالتفريغ هي القدس، وحتى هذه حظر العرب على أنفسهم الوصول إليها، وبذلك أخليت للمتعبدين اليهود، والسياح الغربيين، يمنون على أهالي المدينة من الفلسطينيين بالقليل من الشيكلات مقابل القهوة وتنظيف غرف الفنادق، وحتى هذه شحت بسبب التدابير الأمنية حتى هجر كثير من الفلسطينيينالقدس وضواحيها، وهي تسقط اليوم بالإخلاء شبه الطوعي، الذي تسبب فيه جزئيا القرار العربي بالمقاطعة. لم يخطئ العريفي عندما قال إن زيارة القدس فيها تحد للإسرائيليين وتثبيت لحق العرب والمسلمين فيها. إن منطق مقاطعة الأراضي الفلسطينية ومنع العرب من زيارتها ومنعهم من التعامل مع أهلها وتجارتها سياسة حمقاء تستحق التحدي. عبد الرحمن الراشد [email protected] صحيفة الشرق الأوسط