لا يشك عاقل بأن معرفة عدد السكان مطلب مهم لتقديم الخدمات، ولرسم الخطط التي يبنى عليها اقتصاد أي دولة؛ لتجسير الوصول إلى مستقبل أجمل يكون للأجيال القادمة، وفق منظومة يتم من خلالها تطوير البُنى التحتية وتجديدها. كما يتم جمع بيانات ومعلومات عن الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والظروف السكنية لجميع السكان، وعلى ذلك تسعى الدولة – أيّ دولة - لتوفير العدد المطلوب من المباني السكنية والمستشفيات والمرافق لجميع حالات الإنسانية المحتملة أو الطارئة، كما أنها تساعد على معرفة الأعداد المتزايدة من الطلبة والمواليد من أجل توفير المدارس والمرافق التعليمية وتحديد الاحتياجات في ذلك. بيد أنّ الوضع الحالي مع بدء التعداد السكاني الجديد يشعرنا بالتخلف الذي لا يمكن أن يتصور، فكل مولود يولد يتم تسجيله في الأحوال المدنية، وكل وفاة تحدث يصدر لها شهادة وفاة، وكل وافد يدخل البلد تسجل بياناته في الجوازات، بالإضافة إلى وجود المدارس والجامعات التي تسجل المنتسبين إليها بشكل سنوي ومتجدد، وكل هذا محصور بالأرقام التي لا يكذبها البيان. فلماذا تهدر الطاقات في هذا التعداد؟ ولماذا كل هذا المال الذي يصرف في شيء معلوم مسبقا؟ إن التعداد السكاني معادلة لا تحتاج إلى جهد جهيد في حل رموزها. إضافة إلى ذلك لننظر بعين الواقع إلى المشاكل التي تحدث بسبب التعداد السكاني – بسبب الجهل المركب في مفهوم التعداد ( لدى بعض العدادين ولدى بعض المواطنين )-، وليس الخبر كالعيان، فيتم الكشف عن خصوصيات الناس وأسرار بيوتهم بشكل مؤلم. ثم بعد ذلك لنسأل – متعجبين - لماذا تصل بعض المعلومات الكاذبة وغير الصحيحة من قبل بعض الناس؟ ولماذا تستخدم وسائل الكذب الصراح التي تُخفى به المعلومات؟. ولعل العجب يستمر حين تفاجئ بأن معلوماتك أخذت من جارك لأن العداد يعرفه فيوفر عليه الجهد في القيام بعمله! وبأن ( العداد) يسأل عن أشياء تافهة لا يمكن أن تخطر ببالك (هل عندكم بليستيشن في البيت ؟) مثلا!. إن المعلومات التي نحصل عليها من التعداد لن تزيد الواقع صلاحا بالشكل الذي نرجوه، ولو أن هذه الأموال وهذه الطاقات البشرية صرفت في مساعدة الفقراء والمحتاجين، وبناء المساكن وتحسين مستوى البُنى التحتية وتطوير المستشفيات والتركيز على مخرجات التعليم العام والعالي بالرعاية والتوظيف لكان أولى، ولتحقق الهدف من التعداد بلا تعداد. إن الزاوية المظلمة في التعداد التي أرجو أن تفتح فوهتها لترى النور هي عدد الوافدين المتخلفين في وطني، وكفى!. أحمد اللهيب