قلتُ ظهر الأربعاء ( الأسود ) : المطر بالنسبة لمدينة جدة كالضيف الذي يفرح به مضيفه في البداية ويستثقله في النهاية ..! أيقظ اليوم فجرًا قرع المطر على ( المكيفات ) المعلقة في منازل جدة أصحَابها ، فما تنظر إلى شباكٍ إلا وتجد من خلاله وجهًا يطل منه مرحبًا بقدوم الضيف ( الخفيف الثقيل ) ..! لم تمضِ الساعات الثلاث الأولى حتى تبدل الحال ، فاكفهرت الوجوه ، وأخذ كلٌّ ينظر إلى ساعته تلميحًا إلى ضيفهم بأنه أطال وعليه أن يتحلى بقليلٍ من اللباقة ويستأذن ..! الحركة في جدة ( مشلولة ) ، فالشوارع أودية ، والسيارات تسبح في بحارٍ راكدةٍ ، والبيوت الشعبية كان الله في عون أهلها ..! إلى متى يا جدة ورحمة الله إلى أرضه تمثل لكِ إشكاليةً عظمى..؟! إلى متى ..؟ قلتُ هذا وأنا لم أعرف بعد حجم الكارثة ، ولم أعلم أن ( الإشكالية ) تحولت إلى فاجعة .. كنت أرى طائرات الدفاع المدني تحلق في أجواء الجزء الجنوب الشرقي من جدة ، لكنني لم أتوقع أن السيول تجتاح أحياء بكاملها ، فقد ظننت أنها لمجرد الاطمئنان على المستنقعات التي اعتدناها بعد هطول الأمطار حتى ولو كانت أقل من المتوسطة ..! مناظر بعض أحياء جدة حين شاهدتها الليلة الماضية ذرفت عيناي ، فما حدث في حي ( قويزة ) بالذات أكبر بكثير مما نقلته وسائل الإعلام ( المستحية ) ..! إذا كانت مدينة جدة وهي ثاني مدن مملكتنا الحبيبة من حيث كثرة السكان تعيش هذا الوضع المتردي الذي كشفته ( سيول الأربعاء ) فما عسانا أن نقول عن باقي مدننا وهرجنا وقرانا..؟! كارثة الأربعاء الأسود لو حلت بمدينة في دولةٍ فقيرةٍ لقلنا ( العين بصيرة واليد قصيرة ) لكن أن تحل بمدينة جدة وهي في دولةٍ من أغنى دول العالم فهنا تكمن المصيبة ..! المسؤولون ليسوا أغبياء فهم يعرفون حجم الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية لكنهم يصمتون ولا ينتفضون إلا حين تقع الطامة ، وإذا هدأت الأمور عادوا إلى الصمت وذهبت ( التهديدات ) بمعاقبة المقصرين و( الوعود ) بتحسين الأوضاع أدراج الرياح ..! حكومة خادم الحرمين الشريفين أطال الله في عمره تصرف الميزانيات الضخمة للمشاريع التنموية والخدمية في المحافظات ، لكن تحتاج إلى متابعة دقيقةٍ للتأكد من ( التنفيذ ) ، فغالب الميزانيات تصرف لمشاريع لا تتعدى كونها حبرًا على ورق ، و( المال السايب يعلم السرقة ) كما يقولون ..! ستهدأ الأصوات في الأيام القادمة شيئًا فشيئًا ، وسينسى الجميع الكارثة ، ولن يتذكروها إلا حين تحل كارثةٌ أخرى ، فهذا ما اعتدنا عليه وللأسف ..! نسأل الله جل شأنه أن يرحم من ماتوا ، وأن يجبر مصاب أهلهم ، وأن يخلف على من فقد ماله بخيرٍ منه ، وإن يولي على أمورنا خيارنا وكفى ..! محمد السوادي - جدة