بسم الله الرحمن الرحيم ليبراليونا غير يظهر أننا شعب رغب (غير) له في كل شي فكل ما نملك , وما نفعل, بل وما نقول وما لا نقول, فهو غير في غير وبالتالي أصبحت هذه السمة(الغيرية) بارزة فيناً إلى حد أننا ضننا أن هذه الكلمة لم توضع إلا لنا لننفرد بها , وبالتالي تتعانق هذه الكلمة مع تلك المفردة التي أفردنا لها مساحة خاصة في جميع كتاباتنا وقراراتنا وهي مفردة (الخصوصية ) فشكلت هاتان الكلمتان لدينا حصيلة جوفاء من النرجسية المقيتة التي أشعرتنا بأننا نعيش بمثالية مطلقة في وقت ومكان ومجتمعات منحطة . ولذلك قمنا بسن أنظمة اجتماعية (غير) لنطبقها بشكل (غير) وأوجدنا قاعدة (غير) ليخرج الاستثناء منها (غير) وهكذا هي الغيرية والخصوصية التي لم نرى منها سوى المصطلح الذي أرضى نفوسنا بتأخرنا التقني وجهلنا الصناعي واشبع ذواتنا بذهل اجتماعي ليس له أصل في أرض الواقع . قلت هذا الكلام وأنا أقرأ لمجموعة من اللبراليين الذين يتشدقون بهذه الكلمة وهم لا يعرفون منها سوى حروفها المركبة منها بينما هم من أبعد الناس عن تبني أهدافها وضوابطها . لعل من نافلة القول أن يدرك هؤلاء اللبراليين أن حرية الرأي واختلاف المفاهيم وتنوع المعتقدات من أهم المبادئ التي يقوم عليها هذا المصطلح والعمل بها من أهم الأمور التي يلزم المتسمي باللبرالية العمل وفق ضوابطها , وبالتالي فان اللبرالي إنسان متفتح يعتقد, ويبنى رأيه , ويتقبل الرأي المخالف لرأيه بنفسية منفتحة وعقل مستنير لا يعرف الاقصائية ولا آحادية الرأي ولا استعداء الآخرين كما انه لا يستقوي بالسلطة ولا بالنظام ضد من يخالفه الرأي بل عرفنا اللبراليين الأحرار الحقيقيين يناقشون, ويجادلون ويحاورون , ويعترفون بحق الآخرين باعتقاد ما يرون ولا يحتاجون للاستقواء بالأنظمة ولا يضربون بعصا السلطة لأنهم يستطيعون بحججهم وأدلتهم وقدرتهم على المناقشة . لذلك نجد بعض هؤلاء اللبراليين منصفا من نفسه ومن صديقه ومن من يحمل نفس التوجه, لا يمنعه الخلاف الفكري أو العقدي أو الديني من أن يقول كلمة الحق في أي مكان أو زمان بل نجد بعض من يخالف في الدين يقول كلمة الحق ولو على نفسه وهذا ما يتماشي مع قول الله تعالى ((ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) ولو نظرنا إلى تقرير مثل تقرير القاضي غولدستون الذي شرق به البعض . نجد فيه الكثير من العدل مع المسلمين مع أن معد التقرير لا يشترك معهم في دين ولا معتقد . أما ليبراليونا الذين نجتمع نحن وإياهم في الدين ,والمعتقد , فإن الواحد منهم لم يعتد أن يسمع سوى رأي واحد لا غير سواء وافقه غيره عليه أم لم يوافقه . فهو لا يعرف شي اسمه الرأي والرأي الآخر . لا يتوقف الأمر مع هؤلاء اللبراليون عند عدم توافقهم مع أصحاب الرأي المخالف بل يتجاوزون إلى مصطلحات أخرى جميع أصحاب الأديان والمعتقدات يؤمنون بها ألا وهي –حقوق الإنسان- وهي الحقوق التي كفلتها جميع الشرائع والتنظيمات للإنسان . فنجد بعضهم ينكرها ألبته بلسان حاله أو مقاله ,ويفرض نفسه وصياً على الناس بوجوب تبنيهم لأفكاره ومن خالفها فإنه جاهل ولو كان هذا المخالف هو صاحب التخصص الدقيق فيما كتب أو قال . ليس هذا فقط بل يكتب هذا الكاتب باسم الناس جميعاً أو باسم شريحة أو فئة معينة -وهو ليس منهم بطبيعة الحال- ويجعل رأيه, هو رأي الجميع في هذا الأمر . ثم هو في ذات الوقت يرد على كل من خالفه بأنه جاهل أو أنه لا يمثل الجميع . وإني لأعجب من أحد هؤلاء حينما كتب- بجهله المركب- عن المرأة عدة مواضيع, فجانب فيها الصواب كعادته , فقامت مجموعة من النساء بالرد عليه فكتب في معرض رده عليهن: أنتن لاتمثلن جميع النساء وليس من حقكن أن تكتبن بالنيابة عنهن !!!. وهذا يعني بالضرورة أنه هو فقط الذي من حقه أن يكتب عنهن بما شاء لأنه وصي عليهن !!!, ويأتي آخر ويتكلم عن حق مهم من حقوق الإنسان كحق التعبير عن الرأي ونحوه مما أطبقت جميع الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية عليه ويصادره ويجعل من حق المسئول أو الوزير مصادرته ومنعه بحجة أن هذا الوزير قد أحبه أو أثنى عليه أو انه لا يجوز الرد عليه أو مخالفة رأيه ونحو ذلك . وأن العجب الذي لا ينقضي والمفارقة التي لا تقبل أننا نجد بعض الكتاب اللبراليين في بعض البلدان العربية يكتبون ويتبنون حقوق الإنسان والمواطن بجميع أشكالها كخيار أساس ومطلب ملح لهذا المجتمع الذي يعيش فيه بينما نجد بعض الكتاب خاصة في بعض الصحف الورقية يصادر هذا الحق ويكتب في وجوب عدم نشر هذا الثقافة والمصطلح بحجة أن المجتمع لا يزال جاهلاً ومتخلفاً ولا يستطيع فهم مثل هذه المصطلحات الحديثة , بل يتشبث بكلتا يديه لإساءة سمعة المؤسسات الأهلية ولاجتثاث جميع مؤسسات المجتمع المدني لأنه –كما في ذهنه واعتقاده-لا يوجد مجتمع مدني قادر على القيام بالأعباء الواجب عليه القيام بها . وبعد هذا العتاب الرقيق والإيضاح المختصر للفرق بين بعض اللبراليين عندنا واللبراليين عند غيرنا هل نظل نسمي هؤلاء باللبراليين أم الانتفاعيين والمتمصلحين ونبات الظل. وإلى لقاء قادم بإذن الله أ.د/عبد الكريم بن يوسف الخضر الأستاذ بجامعة القصيم كلية الشريعة